سنة فقد حلت لهم العزوبة والعزلة والترهب على رؤوس الجبال"، وفي رواية :"يأتي على الناس زمان لا تنال المعيشة فيه إلا بالمعصية، فإذا كان ذلك الزمان حلت العزوبة"، ويندب النكاح للمرأة التائقة وفي معناها المحتاجة إلى النفقة، والخائفة من اقتحام الفجرة، ويستحب أن تكون المنكوحة بكراً إلا لعذر لقوله ﷺ "هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك"، ولوداً لقوله ﷺ "تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة"، وفي رواية :"يا عياض لا تتزوج عجوزاً ولا عاقراً، فإني مكاثر دينة" لما روى عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه ﷺ قال :"الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة".
وقيل : المراد بالصالحين الصالحون للنكاح والقيام بحقوقه، و قوله تعالى :﴿إن يكونوا﴾ أي : الأحرار ﴿فقراء يغنهم الله﴾ أي : بالتزويج ﴿من فضله﴾ ردّ لما عساه أن يمنع من النكاح والمعنى لا يمنعهن فقر الخاطب والمخطوبة من المناكحة، فإن في فضل الله غنية عن المال فإنه غادٍ ورائح، أو وعد من الله تعالى بالغنى لقوله ﷺ "اطلبوا الغنى في هذه الآية".
لكن ينبغي أن تكون شريطة الله تعالى غير منسية في هذا الوعد ونظائره، وهي مشيئته ولا يشاء الحكيم إلا ما اقتضته الحكمة، ونحوه :﴿ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب﴾ (الطلاق، ٣)، وقد جاءت الشريطة منصوصة في قوله تعالى :﴿وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم﴾ (التوبة، ٢٨)، ومن لم ينس هذه الشريطة لم ينتصب معترضاً بعزب كان غنياً فأفقره النكاح.
وبفاسق تاب واتقى الله وكان له شيء ففني وأصبح مسكيناً، وورد :"التمسوا الرزق بالنكاح"، وشكى إلى النبي ﷺ رجل الحاجة فقال :"عليك بالباءة" أي : النكاح، وعن عمر رضي الله عنه : عجبت لمن يبتغي الغنى بغير النكاح، والله تعالى يقول :﴿إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله﴾، وحكي عنه أنه قال : عجبت لمن لم يطلب الغنى بالباءة، وقال طلحة بن مطرف : تزوجوا فإنه أوسع لكم في رزقكم وأوسع في أخلاقكم ويزيد الله في ثروتكم ؛ قال الزمخشري : ولقد كان عندنا رجل رازح الحال ثم رأيته بعد سنين وقد
٦٨٧
انتعشت حاله وحسنت، فسألته فقال : كنت في أول أمري على ما علمت وذلك قبل أن أرزق ولداً، فلما رزقت بكر ولدي تراخيت عن الفقر فلما ولد لي الثاني ازددت خيراً فلما تتاموا ثلاثة صبَّ الله علي الخير، فأصبحت إلى ما ترى، انتهى. ﴿والله﴾ أي : الذي له الملك كله ﴿واسع﴾ أي : ذو سعة لخلقه لا تنفد نعمه إذ لا تنتهي قدرته ﴿عليم﴾ بهم يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر. ولما ذكر تعالى تزويج الحرائر والإماء ذكر حال من يعجز عن ذلك بقوله :
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦٨٦
وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً﴾
أي : وليجهد في طلب العفة عن الزنا والحرام الذين لا يجدون ما ينكحون به من مهر ونفقة يوم التمكين وكسوة فصله، وقيل : لا يجدون ما ينكحون ﴿حتى يغنيهم الله﴾ أي : يوسع عليهم ﴿من فضله﴾ فينكحون، ولما ذكر تعالى نكاح الصالحين من العبيد والإماء حث على كتابتهم بالحكم التاسع وهو الأمر بالكتابة المذكور في قوله تعالى :﴿والذين يبتغون الكتاب﴾ أي : يطلبون الكاتبة ﴿مما ملكت أيمانكم﴾ أي : من العبيد والإماء ﴿فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً﴾ أي : أمانة وقدرة على الكسب لأداء مال الكتابة.


الصفحة التالية
Icon