وسبب نزول هذه الآية ما روي أن غلاماً لحويطب بن عبد العزى يقال له : الصبيح، سأل مولاه أن يكاتبه فأبى فأنزل الله هذه الآية، فكاتبه حويطب على مائة دينار ووهب له منها عشرين فأداها، وقتل يوم حنين في الحرب وأركانها أربعة رقيق وصيغة وعوض وسيد وشرط في السيد كونه مختاراً أهل تبرع وولاء وكتابة المريض مرض الموت محسوبة من الثلث، فإن خلف مثلي قيمته صحت الكتابة في كله أو مثل قيمته صحت في ثلثيه أو لم يخلف غيره صحت في ثلثه، وشرط في الرقيق اختيار وعدم صبا وجنون وأن لا يتعلق به حق آدمي لازم، وشرط في الصيغة لفظ يشعر بالكتابة كأن يقول السيد لمملوكه : كاتبتك على ألفين في شهرين كل شهر ألف، فإذا أديتهما فأنت حر، فيقول العبد : قبلت ذلك، فلا يصح عقدها إلا مؤجلاً منجماً بنجمين فأكثر، كما جرى عليه الصحابة فمن بعدهم، فلا بدّ من بيان قدرالعوض وصفته وعدد النجوم وقسط كل نجم فلا تجوز عند الشافعي رضي الله تعالى عنه بنجم واحد ولا بحال لأن العبد لا يملك شيئاً فعقدها بحال يمنع من حصول الغرض لأنه لا يقدر على أداء البدل عاجلاً، وعند أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه تجوز حالاً ومؤجلاً ومنجماً وغير منجم ؛ لأن الله تعالى لم يذكر التنجيم، وقياساً على سائر العقود وهي سنة لا واجبة، وإن طلبها الرقيق لئلا يتعطل أثر الملك وتتحكم المماليك على الملاك بطلب رقيق أمين قوي على الكسب وبهما فسر الشافعي الخير في الآية واعتبرت الأمانة لئلا يضيع ما يحصله فلا يعتق، والطلب والقدرة على الكسب ليوثق بتحصيل النجوم./
روي أنه ﷺ قال :"ثلاث حق على الله عونهم المكاتب الذي يريد الأداء، والناكح يريد العفاف، والمجاهد في سبيل الله"، فإن فقدت هذه الشروط أو بعضها فهي مباحة إذ لا يقوى رجاء العتق بها ولا تكره بحال لأنها عند فقد ما ذكر فقد تفضي إلى العتق، نعم إن كان الرقيق فاسقاً بسرقة أو نحوها، وعلم سيده أنه لو كاتبه مع العجز عن الكسب اكتسب بطريق الفسق لم يبعد تحريمها حينئذٍ لتضمنها التمكين من الفساد، وتصح على عوض قليل وكثير، ويجب أن يحط عنه قبل عتقه شيئاً متمولاً من النجوم، أو يدفعه إليه من جنسها أو من غيرها، كما قال تعالى :
٦٨٨
﴿وآتوهم﴾ أمر للسادة ﴿من مال الله الذي آتاكم﴾ ما يستعينون به في أداء ما التزموه لكم أيها السادة، وفي معنى الإيتاء حط شيء متمول مما التزموه بل الحط أولى من الدفع ؛ لأن القصد بالحط الإعانة على العتق وهي محققة فيه موهومة في الدفع إذ قد يصرف المدفوع في جهة أخرى، وكون ذلك في النجم الأخير أولى منه فيما قبله لأنه أقرب إلى العتق.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦٨٦
يروى أن عمر رضي الله تعالى عنه كاتب عبداً له يكنى أبا أمية وهو أول عبد كوتب في الإسلام فأتاه بأول نجم فدفعه إليه عمر وقال : استعن به على كتابتك، فقال : لو أخرته إلى آخر نجم، فقال : أخاف أن لا أدرك ذلك وكونه ربعاً من النجوم أولى، فإن لم تسمح به نفسه فكونه سبعاً أولى، روى حط الربع النسائي وغيره، وحط السبع مالك عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه، وعند أبي حنيفة أمر للمسلمين على جهة الوجوب بإعانتهم للمكاتبين وإعطائهم سهمهم الذي جعل الله لهم من بيت المال كقوله :﴿وفي الرقاب﴾ ولما بين تعالى ما يصح من تزويج العبيد والإماء أتبع ذلك بالحكم العاشر وهو الإكراه على الزنا المذكور في قوله تعالى :﴿ولا تكرهوا فتياتكم﴾ أي : إماءكم ﴿على البغاء﴾ أي : الزنا.
كان لعبد الله بن أبيّ رأس المنافقين ست جوار معاذة ومسيكة وأميمة وعمرة وأروى وقتيلة، يكرههن على البغاء وضرب عليهن ضرائب فشكت اثنتان منهن إلى رسول الله ﷺ فنزلت، وكذلك كانوا يفعلون في الجاهلية يؤاجرون إماءهم، فلما جاء الإسلام قالت مسيكة لمعاذة : إن هذا الأمر الذي نحن فيه لا يخلو من وجهين، فإن يك خيراً فقد استكثرنا منه، وإن يك شراً فقد آن لنا أن ندعه، فأنزل الله هذه الآية، وروي أنه جاءت إحدى الجاريتين يوماً ببرد، وجاءت الأخرى بدينار فقال لهما : ارجعا فازنيا، فقالا : والله لا نفعل قد جاء الإسلام وحرم الزنا، فأتيا رسول الله ﷺ وشكيا إليه فنزلت.


الصفحة التالية
Icon