ثانيها : أمر النحل وما لها من الرياسة، والبيوت المسدسة التي لا يتمكن من بنائها أفاضل المهندسين.
٦٩٧
ثالثها : انتقال الكركي من طرف من أطراف العالم إلى الطرف الآخر طالباً لما يوافقه من الأهوية، ويقال : من خواص الخيل أن كل واحد يعرف صوت الفرس الذي قاتله وقتاً ما، والتماسيح تفتح أفواهها لطائر يقع عليها يقال لها القطقاط، وينظف ما بين أسنانها، وعلى رأس ذلك الطائر كالشوكة فإذا هم التمساح بالتقام ذلك الطائر تأذى من تلك الشوكة فيفتح فاه، فيخرج ذلك الطائر، والسلحفاة تتناول بعد أكل الحية سعتراً جبلياً، ثم تعود وقد عوفيت من ذلك، وحكي عن بعض الثقات المجربين للصيد أنه شاهد الحباري تقاتل الأفعى وتنهزم عنها إلى بقلة تتناول منها ثم تعود، ولا تزال كذلك، وكان ذلك الشخص قاعداً في كن، وكانت البقلة قريبة من مسكنه، فلما اشتغل الحباري بالأفعى قلع البقلة، فعاد الحباري إلى منبتها فلم يجدها فأخذ يدور حول منبتها دوراناً متتابعاً حتى خرَّ ميتاً، فعلم الشخص أنه يعالج بأكلها من اللسعة، وتلك البقلة هي الجرجير البري، وابن عرس يستظهر في مقاتلة الحية بأكل السذاب فإن النكهة السذابية تنفر منها الأفعى، والكلاب إذا مرضت بطونها أكلت سنبل القمح، وإذا جرحت داوت الجراحة بالسعتر الجبلي.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦٩٦
رابعها : القنافذ تحس بالشمال والجنوب قبل الهبوب، فتغير المدخل إلى جحرها، وكان رجل بالقسطنطينية قد أثرى بسبب أنه ينذر بالرياح قبل هبوبها، وينفع الناس بإنذاره، وكان السبب فيه قنفذاً في داره يفعل الصنيع المذكور فيستدل به، والخطاف صناع في اتخاذ العش من الطين، وقطع الخشب، فإن أعوزه الطين ابتل وتمرغ في التراب ليحمل جناحاه قدراً من الطين، وإذا فرخ بالغ في تعهد الفراخ وتأخذ رزقها بمنقارها، وترميها من العش، والغرانيق تصعد في الجو عند الطيران، فإن حجب بعضها عن بعض سحاب أو ضباب أحدثت عن أجنحتها حفيفاً مسموعاً يتبع به بعضها بعضاً، وإذا باتت على جبل فإنها تضع رأسها تحت أجنحتها إلا القائد فإنه ينام مكشوف الرأس فيسرع انتباهه وإذا سمع جرساً صاح، وحال النمل في الذهاب إلى مواضعها على خط مستقيم يحفظ بعضهاً بعضاً أمر عجيب، وإذا كشف عن بيوتها الساتر الذي كان يسترها، وكان تحته بيض لها، فإن كل نملة تأخذ بيضة في فمها وتذهب في أسرع وقت، والاستقصاء في هذا الباب مذكور في كتاب طبائع الحيوان، والمقصود في ذلك أن الفضلاء من العقلاء يعجزون عن أمثال تلك الحيل وإذا كان كذلك فلم لا يجوز أن يقال : إنها تسبح الله تعالى وتثني عليه، وإن كانت غير عارفة بسائر الأمور التي تعرفها الناس، ويؤيد هذا قوله تعالى :﴿ولكن لا تفقهون تسبيحهم﴾ (الإسراء، ٤٤)، وقوله ﷺ "إن نوحاً عليه السلام أوصى بنيه عند موته بلا إله إلا الله فإن السموات السبع والأرضين السبع لو كن في حلقة مبهمة قصمتهن، وسبحان الله وبحمده فإنها صلاة كل شيء، وبها يرزق كل شيء، وقال الغزالي في الإحياء : روي "أن رجلاً جاء إلى النبي ﷺ فقال : تولت عني الدنيا، وقلت ذات يدي، فقال له رسول الله ﷺ فأين أنت من صلاة الملائكة وتسبيح الخلائق، وبها يرزقون ؛ قال : فقلت : وما هي يا رسول الله، قال : قل سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم أستغفر الله مائة مرة ما بين طلوع الفجر إلى أن تصلي الصبح تأتيك الدنيا راغمة صاغرة، ويخلق الله عز وجل من كل كلمة ملكاً يسبح الله إلى يوم القيامة لك ثوابه".
٦٩٨
ثم نبه سبحانه وتعالى بقوله :
﴿ولله ملك السموات والأرض﴾ على أن الكل منه لأن كل ما سواه ممكن ومحدث، والممكن والمحدث لا يوجد إلا عند الانتهاء إلى القديم الواجب الوجود ويدخل في هذا جميع الأجرام والأعراض، وأفعال العباد وأحوالهم وخواطرهم، وفي قوله تعالى :﴿وإلى الله﴾ أي : الذي له الإحاطة بكل شيء ﴿المصير﴾ دليل على المعاد وأنه لا بد من مصير الكل إليه بعد الفناء. والرؤية في قوله تعالى :
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦٩٦
ألم ترَ﴾ نظرية ﴿أن الله﴾ أي : ذا الجلال والجمال ﴿يزجي سحاباً﴾ أي : يسوقه برفق بعد أن أنشأه من العدم تارة من السفل وتارة من العلو ضعيفاً رقيقاً متفرقاً ؛ قال أبو حيان : وهو اسم جنس واحده سحابة والمعنى يسوق سحابة إلى سحابة، وهو معنى قوله تعالى :﴿ثم يؤلف بينه﴾ أي : بين أجزائه بعد أن كان قطعاً في جهات مختلفة، فيجعل القطع المتفرقة قطعة واحدة، ﴿ثم يجعله ركاماً﴾ في غاية العظمة متراكماً بعضه على بعض بعد أن كان في غاية الرقة ﴿فترى﴾ أي : في تلك الحالة المستمرة ﴿الودق﴾ أي : المطر ﴿يخرج من خلاله﴾ أي : من فتوقه التي حدثت بالتراكم وإرهاص بعضه في بعض.