أحدها : أنه خبر مبتدأ مضمر تقديره أمرنا طاعة أو المطلوب طاعة، ثانيها : أنه مبتدأ والخبر محذوف، أي : أمثل أو أولى أو خير أي : طاعة معروفة للنبي ﷺ خير من قسمكم الذي لا تصدقون فيه، ثالثها : طاعة مبتدأ أي : هذه الحقيقة ومعروفة هو الخبر أي : معروفة منكم ومن غيركم وإرادة الحقيقة هو الذي سوغ الابتداء بها مع تنكير لفظها ؛ لأن العموم الذي تصلح له قد تخصص بإرادة الحقيقة كما قالوه في أعرف المعارف.
والمعنى أن الطاعة وإن اجتهد العبد في إخفائها لا بد أن تظهر مخايلها عل شمائله، وكذا المعصية ؛ لأنه "ما أسر عبد سريرة إلا ألبسه الله رداءها" رواه الطبراني عن عثمان، وعن
٧٠٤
عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه قال : لو أن رجلاً دخل بيتاً في جوف بيت فأدى هناك عملاً أوشك الناس أن يتحدثوا به، وما من عامل عمل عملاً إلا كساه الله رداء عمله إن كان خيراً فخير، وإن كان شراً فشر، وعن سعيد : لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوّة لخرج عمله للناس كائناً من كان ﴿إن الله﴾ أي : الذي له الإحاطة بكل شيء ﴿خبير بما تعملون﴾ أي : لا يخفى عليه شيء من سرائركم فإنه فاضحكم لا محالة، ومجازيكم على نفاقكم، ولما نبه الله تعالى على خداعهم، وأشار إلى عدم الاغترار بإيمانهم أمر بترغيبهم وترهيبهم مشيراً إلى الإعراض عن عقوبتهم بقوله تعالى :
﴿قل﴾ أي : لهم ﴿أطيعوا الله﴾ أي : الذي له الكمال المطلق ﴿وأطيعوا الرسول﴾ أي : الذي له الرسالة المطلقة ظاهراً وباطناً، وقوله تعالى :﴿فإن تولوا﴾ أي : عن طاعته بحذف إحدى التاءين خطاب لهم أي : فإن تتولوا فما ضررتموه، وإنما ضررتم أنفسكم ﴿فإنما عليه﴾ أي : محمد ﷺ ﴿ما حمل﴾ أي : ما حمله الله تعالى من أداء الرسالة، وإذا أدّى فقد خرج من عهدة التكليف ﴿وعليكم﴾ أي : وأما أنتم فعليكم ﴿ما حملتم﴾ أي : ما كلفتم من التلقي بالقبول والإذعان، فإن لم تفعلوا وتوليتم فقد عرضتم أنفسكم لسخط الله وعذابه، وإن أطعتموه فقد أحرزتم نصيبكم من الخروج عن الضلالة إلى الهدى، فالنفع والضر عائد إليكم ﴿وإن تطيعوه﴾ بالإقبال على كل ما يأمركم به ﴿تهتدوا﴾ أي : إلى كل خير ﴿وما على الرسول﴾ أي : من جهة غيره ﴿إلا البلاغ﴾ أي : وما الرسول إلا ناصح وهاد، وما عليه إلا أن يبلغ ما له نفع في قبولكم، ولا عليه ضرر في توليتكم، والبلاغ بمعنى التبليغ كالأداء بمعنى التأدية، ومعنى ﴿المبين﴾ كونه مقروناً بالآيات والمعجزات. روي أنه ﷺ قال على المنبر :"من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، والتحدث بنعمة الله شكر، وتركه كفر، والجماعة رحمة والفرقة عذاب"، وقال أبو أمامة الباهلي : عليكم بالسواد الأعظم، فقال رجل : ما السواد الأعظم ؟
فنادى أبو أمامة هذه الآية في سورة النور، فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم، وقوله تعالى :
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٧٠٣
وعد الله﴾
أي : الذي له الإحاطة بكل شيء ﴿الذين آمنوا منكم وعملوا﴾ أي : تصديقاً لإيمانهم ﴿الصالحات﴾ خطاب للنبي ﷺ وللأمة أو له ولمن معه ومن للبيان، ثم أكد غاية التأكيد بلام القسم لما عند أكثر الناس من الريب في ذلك بقوله تعالى :﴿ليستخلفنهم في الأرض﴾ أي : أرض العرب والعجم بأن يمد زمانهم وينفذ أحكامهم، فيجعلهم متصرفين في الأرض تصرف الملوك في مماليكهم ﴿كما استحلف الذين من قبلهم﴾ أي : من الأمم من بني إسرائيل وغيرهم من كل من حصلت له مكنة وظفر على الأعداء بعد الضعف الشديد كما كتب في الزبور أن الأرض يرثها عبادي الصالحون، وكما قال موسى عليه السلام : إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، وقرأ أبو بكر بضم التاء الفوقية وكسر اللام، والباقون بفتح التاء واللام ﴿وليمكنن لهم﴾ أي : في الباطن والظاهر ﴿دينهم الذي ارتضى لهم﴾ وهو دين الإسلام، وتمكينه
٧٠٥


الصفحة التالية
Icon