﴿فلما جاء أمرنا نجينا صالحاً والذين آمنوا معه برحمة منا﴾ في تفسيره، وقراءة الهمزتين وعدد الذين آمنوا معه مثل ما تقدّم في قصة عاد ﴿و﴾ نجيناهم ﴿من خزي يومئذ﴾ وهو هلاكهم بالصيحة أو ذلهم أو فضيحتهم يوم القيامة. وقرأ نافع والكسائي بفتح الميم من يومئذ على البناء لإضافتها إلى مبني، وكسرها الباقون على الإعراب والأوّل أكثر ﴿إنّ ربك هو القويّ﴾ فهو يغلب كل شيء ﴿العزيز﴾، أي : القادر على منع غيره من غير أن يقدر أحد عليه، ثم أخبر تعالى عن عذاب قوم صالح بقوله :
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٧٤
وأخذ الذين ظلموا﴾، أي : أنفسهم بالكفر ﴿الصيحة﴾، أي : صيحة جبريل عليه السلام، صاح بهم صيحة واحدة فهلكوا جميعاً أو أتتهم صيحة من السماء فتقطعت قلوبهم في صدورهم فماتوا جميعاً، كما قال تعالى :﴿فأصبحوا في ديارهم جاثمين﴾، أي : باركين على الركب ميتين.
تنبيه : إنما قال تعالى وأخذ ولم يقل وأخذت ؛ لأنّ الصيحة محمولة على الصياح، وأيضاً فصل بين الفعل والاسم المؤنث بفاصل فكان الفاصل كالعوض من تاء التأنيث. وقوله تعالى :
﴿كأن﴾ مخففة من الثقيلة واسمها محذوف، أي : كأنهم ﴿لم يغنوا﴾، أي : يقيموا ﴿فيها﴾، أي : ديارهم ولم يسكنوها مدة من الدهر يقال : غنيت بالمكان إذا أقمت به. وقوله تعالى :﴿ألا إنّ ثمود كفروا ربهم ألا بعداً لثمود﴾ تفسيره ما تقدّم في قوله تعالى :﴿ألا إن عاداً كفروا ربهم﴾ (هود، ٦٠) الآية. وقرأ حفص وحمزة ألا إن ثمود بغير تنوين للتعريف والتأنيث بمعنى القبيلة، والباقون بالتنوين للذهاب إلى الحيّ أو إلى الأب الأكبر. ومَنْ نوّن وقف على ألف
٧٦
بعد الدال، ومن لم ينون وقف على الدال ساكنة. وقرأ الكسائي بعداً لثمودٍ بتنوين ثمود مع الكسر لما مرّ، والباقون بغير تنوين مع الفتح لما مرّ أيضاً.
القصة الرابعة : التي ذكرها الله تعالى في هذه السورة قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام المذكورة في قوله تعالى :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٧٤
﴿ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى﴾، أي : بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، والمراد بالرسل الملائكة، ولفظ رسلنا جمع وأقله ثلاثة، واختلف في الزائد على ذلك وأجمعوا على أنّ الأصل فيهم كان جبريل عليه السلام، واقتصر ابن عباس وعطاء على أقل الجمع فقالا : كانوا ثلاثة : جبريل وميكائيل وإسرافيل وهم الذين ذكرهم الله تعالى في سورة الذاريات بقوله تعالى :﴿هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين﴾ (الذاريات، ٢٤)، وفي الحجر :﴿ونبئهم عن ضيف إبراهيم﴾ (الحجر، ٥١). وقال الضحاك : كانوا تسعة. وقال محمد بن كعب القرظي : كان جبريل ومعه سبعة أملاك. وقال السدي : كان جبريل ومعه أحد عشر ملكاً على صورة الغلمان الذين يكونون في غاية الحسن. قال النحويون : ودخلت كلمة قد ههنا ؛ لأنّ السامع لقصص الأنبياء يتوقع قصة بعد قصة، وقد للتوقع، ودخلت اللام في لقد لتأكيد الخبر. ﴿قالوا سلاماً﴾، أي : سلمنا عليك سلاماً، ويجوز نصبه بقالوا على معنى ذكروا سلاماً، أي : سلموا ﴿قال سلام﴾، أي : أمركم أو جوابي سلام أو وعليكم سلام.
تنبيه : قوله سلام أكمل من قوله السلام، لأنّ التنكير يفيد الكمال والمبالغة والتمام، ولهذا صح وقوعه مبتدأ ؛ لأنّ النكرة إذا كانت موصوفة جاز جعلها مبتدأ، أو لفظ السلام فإنه لا يفيد إلا الماهية. فإن قيل : فلأي شيء ما كفى الأوّل في التحلل من الصلاة عند النوويّ ؟
أجيب : بأنّ ذلك سنة متبعة. وقرأ حمزة والكسائي بكسر السين وسكون اللام ولا ألف بعدها، والباقون
٧٧
بفتح السين واللام وبعدها ألف. قال الفراء : ولا فرق بين القراءتين كما يقال حل وحلال وحرم وحرام. وقيل سلم هو بمعنى الصلح، أي : نحن سلم صلح غير حرب. ﴿فما لبث أن جاء بعجل حنيذ﴾ (هود، ٦٩)، أي : فما أبطأ مجيئه به. والحنيذ : المشوي على الحجارة المحماة في حفرة من الأرض، وكان سميناً يقطر ودكه. كما قال تعالى في موضع آخر :﴿فجاء بعجل سمين﴾. قال قتادة : كان عامة مال إبراهيم البقر. روي أنّ إبراهيم عليه السلام مكث خمس عشرة ليلة لم يأته ضيف فاغتمّ لذلك وكان يحب الضيف ولا يأكل إلا معه، فلما جاءته الملائكة رأى أضيافاً لم ير مثلهم فعجل قراهم وجاء بعجل سمين مشوي.
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٧٧
فلما رأى أيديهم﴾، أي : الأضياف ﴿لا تصل إليه﴾، أي : لا يمدّون أيديهم إليه ﴿نكرهم﴾ أي : أنكرهم وأنكر حالهم لامتناعهم من الطعام ﴿وأوجس﴾، أي : أضمر في نفسه ﴿منهم خيفة﴾، أي : خوفاً. قال قتادة : وذلك أنهم كانوا إذا نزل بهم ضيف فلم يأكل من طعامهم ظنوا أنه لم يأت بخير وإنما جاء بشر. ﴿قالوا لا تخف﴾ يا إبراهيم ﴿إنا﴾ ملائكة الله ﴿أرسلنا إلى قوم لوط ﴾ بالعذاب وإنما لم نمد له أيدينا لأنا لا نأكل.