ولما كان التقدير ونرجع بها إليه بأخينا، فيظهر له نصحنا وصدقنا ﴿ونمير أهلنا﴾، أي : نجلب إليهم الميرة برجوعنا إليه، والميرة الأطعمة التي تحمل من بلد إلى بلد ﴿ونحفظ أخانا﴾ فلا يصيبه شيء مما تخشى عليه تأكيداً للوعد بحفظه ﴿ونزداد كيل بعير﴾ لأخينا ﴿ذلك كيل يسير﴾، أي : سهل على الملك لسخائه وحرصه على البذل، وقيل : قصير المدّة ليس سبيل مثله أن تطول مدّته بحسب الحبس والتأخير، وقيل قليل فابعث أخانا حتى نبدل تلك القلة بالكثرة، فكأنه قيل : ما قال لهم ؟
فقيل :
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٣٦
قال﴾
يعقوب عليه السلام :﴿لن أرسله﴾، أي : بنيامين كائناً ﴿معكم﴾، أي : في وقت من الأوقات ﴿حتى تؤتوني موثقاً﴾، أي : عهد مؤكداً ﴿من الله﴾ قرأ ابن كثير بإثبات الياء بعد النون وقفاً ووصلاً، وأبو عمرو بإثبات الياء وقفاً لا وصلاً، وحذفها الباقون وقفاً ووصلاً، وقوله ﴿لتأتنني﴾، أي : كلكم ﴿به﴾ أي : تحلفوا بالله لتأتنني به من الإتيان، وهو المجيء في كل حال
١٣٦
جواب القسم، أو المعنى حتى تحلفوا بالله لتأتنني به ﴿إلا﴾، أي : في حال ﴿أن يحاط﴾، أي : تحصل الإحاطة بمصيبة من المصائب لاطاقة لكم بها ﴿بكم﴾ فتهلكوا من عند آخركم كل ذلك زيادة في التوثيق بما حصل له من المصيبة بيوسف عليه السلام، وإن كان الاعتماد في حفظه إنما هو على الله تعالى، وهذا من باب اعقلها وتوكل، فأجابوه إلى ذلك كما قال تعالى ﴿فلما آتوه موثقهم﴾ بذلك ﴿قال الله على ما نقول﴾ نحن وأنتم ﴿وكيل﴾، أي : شهيد، وأرسله معهم بعد ذلك.
فإن قيل : لم أرسله معهم وقد شاهد منهم ما شاهد في يوسف عليه السلام ؟
أجيب : بأن ذلك لوجوه : أحدها : أنهم كبروا ومالوا إلى الخير والصلاح، الثاني : أنه كان شاهد أنه ليس بينهم وبين بنيامين من الحسد والحقد مثل ما كان بينهم وبين يوسف عليه السلام، الثالث : لعل الله أوحى إليه وضمن حفظه وإيصاله إليه.
﴿و﴾ لما عزموا على الخروج إلى مصر وكانوا موصوفين بالكمال والجمال وأبناء رجل واحد ﴿قال﴾ لهم ﴿يا بني لا تدخلوا﴾ إذا قدمتم إلى مصر ﴿من باب واحد﴾ من أبوابها ﴿وادخلوا من أبواب﴾ واحترز من أن تكون متلاصقة أو متقاربة جداً بقوله :﴿متفرّقة﴾، أي : تفرّقا كثيراً، وهذا حكم التكليف لئلا يصابوا بالعين، وهي من قدر الله تعالى.
وقد ورد شرعنا بذلك ففي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة أنّ النبيّ ﷺ قال :"العين حق". وفي رواية عن أحمد "يحضرها الشيطان وحسد ابن آدم". وفي رواية لمسلم :"العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين". وفي رواية عن جابر :"إنّ العين لتدخل الجمل القدر والرجل القبر"، وفي رواية أنه ﷺ كان يعوّذ الحسن والحسين فيقول :"أعيذكما بكلمات الله التامّة من كل شيطان وهامّة ومن كل عين لامّة". ويقول :"هكذا كان يعوّذ إبراهيم إسماعيل وإسحاق" صلوات الله وسلامه عليهم وعلى سائر النبيين، وعن عبادة بن الصامت قال : دخلت على رسول الله ﷺ في أوّل النهار فوجدته شديد الوجع، ثم عدت إليه في آخر النهار فرأيته معافى فقال :"إنّ جبريل عليه السلام أتاني فرقاني فقال : بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من كل عين وحاسد الله يشفيك، قال فأفقت" وفي رواية أنّ بني جعفر بن أبي طالب كانوا غلماناً بيضاً فقالت أسماء : يا رسول الله، إنّ العين إليهم سريعة فاسترق لهم من العين ؟
فقال لها :"نعم". وفي
١٣٧
رواية دخل رسول الله ﷺ بيت أمّ سلمة وعندها صبي يشتكي فقالوا : يا رسول الله أصابته العين. فقال :"أما تسترقون له من العين". وعن عائشة رضي الله تعالى عنها "كان يؤمر العائن أن يتوضأ ثم يغتسل منه المعين الذي أصيب بالعين".
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٣٦


الصفحة التالية
Icon