بن وائل والنضر بن الحرث، وذلك أنهم رأوا أبا ذر وابن مسعود وعماراً وبلالاً وصهيباً وعامر بن فهيرة ومن دونهم قد أسلموا قبلهم، فقالوا : أنسلم ونكون مثل هؤلاء ؟
وقيل : جعلناك فتنة لهم ؛ لأنك لو كنت غنياً صاحب كنوز وجنات لكان ميلهم إليك وطاعتهم لك للدنيا، فتكون ممزوجة بالدنيا، وإنما بعثناك فقيراً لتكون طاعة من يطيعك خالصة لوجه الله من غير طمع دنيوي وقوله تعالى :﴿أتصبرون﴾ أي : على ما تسمعون مما ابتليتم، به استفهام بمعنى الأمر أي : اصبروا ﴿وكان ربك﴾ أي : المحسن إليك إحساناً لم يحسنه إلى أحد سواك لا سيما بجعلك نبياً عبداً ﴿بصيراً﴾ أي : بكل شيء فهو عالم بالإنسان قبل الامتحان لم يفده ذلك علماً لم يكن عنده، ولكن يعلم ذلك شهادة كما يعلم علم الغيب، ولتقوم عليهم بذلك الحجة فلا يضيقن صدرك ولا تستخفنك أقاويلهم، فإن صبرك عليها سعادتك وفوزك في الدارين.
روي أنه ﷺ قال :"إذا نظر أحدكم من فضل عليه في المال والجسم فلينظر إلى من هو دونه في المال والجسم"، وروي :"انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم حذر أن تزدروا نعمة الله عليكم". الشبهة الرابعة : لمنكري نبوة محمد ﷺ قوله تعالى :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٠
﴿وقال الذين لا يرجون لقاءنا﴾ أي : لا يخافون البعث، قال الفراء : الرجاء بمعنى الخوف لغة تهامة، ومنه قوله تعالى :﴿ما لكم لا ترجون لله وقاراً﴾ (نوح، ١٣)
أي : لا تخافون لله عظمة ﴿لولا﴾ أي : هلا ولم لا ﴿أنزل﴾ أي : على أي وجه كان من أي منزل كان ﴿علينا الملائكة﴾ كما نزلت عليه فيما يزعم وكانوا رسلاً إلينا، أو فتخبرنا بصدقه ﴿أو نرى ربنا﴾ بما له علينا من الإحسان، وبما لنا نحن من العظمة بالقوة بالأموال وغيرها، فيأمرنا بما يريد من غير حاجة إلى واسطة ؛ قال الله ردّاً عليهم :﴿لقد استكبروا﴾ أي : تعظموا ﴿في﴾ شأن ﴿أنفسهم﴾ أي : أظهروا الاستكبار عن الحق، وهو الكفر والعناد في قلوبهم واعتقدوه كما قال تعالى :﴿إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه﴾ (غافر، ٥٦)
﴿وعتوا﴾ أي : تجاوزوا الحد في الظلم ﴿عتواً كبيراً﴾ أي : بالغاً أقصى مراتبه حيث عاينوا المعجزات الظاهرة، فأعرضوا عنها واقترحوا لأنفسهم الخبيثة ما سدت دونه مطامح النفوس القدسية، واللام جواب قسم محذوف، وفي فحوى هذا الفعل دليل على التعجب من غير لفظ تعجب، ألا ترى أن المعنى ما أشد استكبارهم وما أكبر عتوهم ؟
ثم بين تعالى لهم حالهم عند بعض ما طلبوا بقوله تعالى :
﴿يوم يرون الملائكة﴾ أي : يوم القيامة، وقال ابن عباس : عند الموت ﴿لا بشرى﴾ أي : من البشر أصلاً ﴿يومئذٍ﴾ وقوله تعالى :﴿للمجرمين﴾ أي : الكافرين إما ظاهر في موضع ضمير، وإما ؛ لأنه عام فقد تناولهم بعمومه بخلاف المؤمنين فلهم البشرى بالجنة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٤
تنبيه : في نصب يوم أوجه : أحدها : أنه منصوب بإضمار فعل يدل عليه قوله تعالى :﴿لا بشرى﴾ أي : يمنعون البشرى يوم يرون، الثاني : باذكر فيكون مفعولاً به. الثالث : بيعذبون مقدراً
١٤
ولا يجوز أن يعمل فيه نفس البشرى لوجهين : أحدهما : أنها مصدر والمصدر لا يعمل فيما قبله، والثاني : أنها منفية بلا، وما بعد لا لا يعمل فيما قبلها. وقوله :﴿ويقولون﴾ أي : في ذلك الوقت ﴿حجراً محجوراً﴾ عطف على المدلول ويقول الكفرة لهم حينئذٍ : هذه الكلمة استعاذة وطلباً من الله تعالى أن يمنع لقاء الملائكة عنهم مع أنهم كانوا يطلبون نزول الملائكة ويقترحونه وهم إذا رأوهم عند الموت أو يوم القيامة كرهوا لقاءهم وفزعوا منهم ؛ لأنهم لا يلقونهم إلا بما يكرهون، وقالوا عند رؤيتهم ما كانوا يقولونه عند لقاء العدو والشدة النازلة أو نحو ذلك : حجراً محجوراً يضعونها موضع الاستعاذة، فهم يقولون ذلك إذا عاينوا الملائكة. قال سيبويه : يقول الرجل للرجل : تفعل كذا وكذا فيقول : حجراً، وهي من حجره إذا منعه ؛ لأن المستعيذ طالب من الله أن يمنع المكروه عنه فلا يلحقه، وكأن المعنى : أسأل الله أن يمنع ذلك منعاً ويحجره حجراً، وقال ابن عباس : تقول الملائكة : حراماً محرماً أن يدخل الجنة إلا من قال : لا إله إلا الله، وقيل : إذا خرج الكفار من قبورهم تقول الملائكة لهم : حرام محرم عليكم أن تكون لكم البشرى، ولما كان المريد لإبطال شيء لشدة كراهته له لا يقنع في إبطاله بغيره بل يأتيه بنفسه فيبطله، عبر تعالى بقوله :


الصفحة التالية
Icon