كفرهم به قيل ﴿قالوا﴾ أي : فرعون وقومه ومن كفر من بني إسرائيل ﴿ساحران﴾ أي : موسى وأخوه عليهما السلام ﴿تظاهرا﴾ أي : أعان كل منهما صاحبه على سحره حتى صار سحرهما معجزاً فغلبا جميع السحرة وتظاهر الساحرين من تظاهر السحرين على قراءة الكوفيين بكسر السين وسكون الحاء، وقرأ الباقون بفتح السين وكسر الحاء وألف بينهما.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥٢
تنبيه : يجوز أن يكون الضمير لمحمد وموسى عليهما الصلاة والسلام، قال البقاعي : وهو أقرب وذلك لأنه روي أن قريشاً جاءت إلى اليهود فسألوهم عن محمد ﷺ فأخبروهم أنّ نعته في كتابهم فقالوا هذه المقالة فيكون الكلام استئنافاً لجواب من كأنه قال : ما كان كفرهم بهما ؟
فقيل قالوا أي : العرب : الرجلان ساحران أو الكتابان ساحران ظاهر أحدهما الآخر مع علم كل ذي لب أنّ هذا القول زيف لأنه لو كان شرط إعجاز السحر التظاهر لكان سحر فرعون أعجز إعجازاً لأنه تظاهر عليه جميع سحرة بلاد مصر وعجزوا عن معارضة ما أظهر موسى عليه السلام من آياته كالعصا، وأمّا محمد ﷺ فقد دعا أهل الأرض من الجنّ والأنس إلى معارضة كتابه وأخبرهم أنهم عاجزون ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً فعجزوا عن آخرهم، ولما تضمن قولهم ذلك الكفر صرّحوا به ﴿وقالوا﴾ أي : كفار قريش ﴿إنا بكل﴾ أي : من الساحرين أو السحرين اللذين تظاهرا بهما وهما ما أتيا به من عند الله ﴿كافرون﴾ جراءة على الله تعالى وتكبراً على الحق ثم قال الله تعالى :
﴿قل﴾ أي : لهم إلزاماً إن كنتم صادقين في أني ساحر وكتابي سحر وكذلك موسى عليه السلام ﴿فأتوا بكتاب من عند الله﴾ أي : الملك العلي الأعلى ﴿هو﴾ أي : الذي تأتون به ﴿أهدى منهما﴾ أي : من الكتابين وقوله ﴿أتبعه﴾ أي : وأتركهما جواب الأمر وهو فأتوا ﴿إن كنتم﴾ أي : أيها الكفار ﴿صادقين﴾ أي : في أنا ساحران فأتوا بما ألزمتكم به، قال البيضاوي : وهذا من الشروط التي يراد بها الإلزام والتبكيت ولعل مجيء حرف الشك للتهكم بهم.
﴿فإن لم يستجيبوا لك﴾ أي : دعاءك إلى الكتاب الأهدى فحذف المفعول للعلم به ولأن فعل الاستجابة يتعدّى بنفسه إلى الدعاء وباللام إلى الداعي فإذا عدي إليه حذف الدعاء غالباً كقول القائل :
*وداعٍ دعا يا من يجيب إلى الندا ** فلم يستجبه عند ذاك مجيب*
وداعٍ (أي : ورب داع).
الشاهد في يستجبه حيث عدّاه إلى الداعي وحذف الدعاء والتقدير فلم يستجب دعاءه ﴿فاعلم﴾ أنت ﴿أنما يتبعون﴾ أي : بغاية جهدهم فيما هم عليه من الكفر والتكذيب ﴿أهواءَهم﴾ أي : دائماً وأكثر الهوى مخالف للهدى فهم ضالون غير مهتدين بل هم أضلّ الناس وذلك معنى قوله تعالى :﴿ومن أضلّ ممن اتبع﴾ أي : بغاية جهده ﴿هواه﴾ أي : لا أحد أضل منه فهو استفهام بمعنى النفي وقوله تعالى :﴿بغير هدى من الله﴾ في موضع الحال للتوكيد والتقييد فإن هوى النفس
١٥٥
قد يوافق الهدى ﴿إنّ الله لا يهدي القوم الظالمين﴾ أي : وإن كانوا أقوى الناس لاتباعهم أهواءهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥٢
﴿ولقد وصلنا﴾ قال ابن عباس : بيّنا، وقال الفراء : أنزلنا آيات القرآن يتبع بعضها بعضاً ﴿لهم﴾ أي : خاصة فكان تخصيصهم بذلك منّة عظيمة يجب عليهم شكرها ﴿القول﴾ أي : القرآن، قال مقاتل : بيَّنا لكفار مكة بما في القرآن من أخبار الأمم الخالية كيف عذبوا بتكذيبهم وقال ابن زيد : وصلنا لهم خير الدنيا بخير الآخرة حتى كأنهم عاينوا الآخرة في الدنيا ﴿لعلهم يتذكرون﴾ أي : ليكون حالهم حال من يرجى لهم أن يرجعوا إلى عقولهم فيجدوا فيما طبع فيها ما يذكرهم بالحق، ثم كأنه قيل هل تذكر منهم أحد ؟
قيل نعم أهل الكتاب الذين هم أهله حقاً تذكروا وذلك معنى قوله تعالى :
﴿الذين آتيناهم الكتاب من قبله﴾ أي : قبل القرآن أو قبل محمد ﷺ ﴿هم به﴾ أي : بما تقدّم ﴿يؤمنون﴾ أيضاً : نزل في جماعة أسلموا من اليهود عبد الله بن سلام وأصحابه، وقال مقاتل هم أهل الإنجيل الذين قدموا من الحبشة وآمنوا بالنبيّ ﷺ وقال سعيد بن جبير هم أربعون رجلاً قدموا مع جعفر من الحبشة على النبي ﷺ فلما رأوا ما بالمسلمين من الخصاصة قالوا له يا نبيّ الله إنّ لنا أموالاً فإن أذنت لنا انصرفنا فجئنا بأموالنا فواسينا بها المسلمين فأذن لهم فانصرفوا فأتوا بأموالهم فواسوا بها المسلمين فنزل فيهم ذلك إلى قوله تعالى :﴿ومما رزقناهم ينفقون ﴾ وعن ابن عباس : نزلت في ثمانين من أهل الكتاب أربعون من نجران واثنان وثلاثون من الحبشة وثمانية من الشام، ثم وصفهم الله تعالى بقوله تعالى :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥٦