﴿ويوم﴾ أي : واذكر يوم ﴿يناديهم﴾ أي : ينادي الله هؤلاء الذين يضلون الناس ويصدّون عن سبيل الله ﴿فيقول﴾ أي : الله تعالى ﴿أين شركائي﴾ من الأوثان وغيرهم ثم بين أنهم لا يستحقون هذا الاسم بقوله تعالى :﴿الذين كنتم﴾ أي : كوناً غريقين فيه ﴿تزعمون﴾ أنها تشفع ليدفعوا عنكم وعن أنفسهم فيخلصكم من هذا الذي نزل بكم، تنبيه : تزعمون مفعولاه محذوفان أي : تزعمونهم شركائي ﴿قال الذي حق﴾ أي : ثبت ووجب ﴿عليهم القول﴾ أي : بدخول النار وهم رؤوس الضلالة وهو قوله تعالى :﴿لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين﴾ (هود، ١١٩) وغيره من آيات الوعيد وقولهم ﴿ربنا هؤلاء﴾ إشارة للإتباع ﴿الذين أغوينا﴾ أي : أوقعنا الأغواء وهو الإضلال بهم صفته والعائد حذف وقولهم ﴿أغويناهم﴾ أي : فغووا باختيارهم ﴿كما غوينا﴾ أي : نحن فهؤلاء مبتدأ والذين أغوينا صفته والراجع إلى الموصول محذوف وأغويناهم الخبر والكاف صفة مصدر محذوف تقديره أغويناهم فغووا غياً مثل ما غوينا يعنون أنا لم نغو إلا باختيارنا لا أنّ فوقنا مغوين أغوونا بقسر منهم وإلجاء، أو دعونا إلى الغي وسوّلوه لنا فهؤلاء كذلك غووا باختيارهم لأنّ أغواءنا لهم لم يكن إلا وسوسة وتسويلاً لا قسراً وإلجاء فلا فرق إذاً بين غينا وغيهم وإن كان تسويلنا لهم داعياً إلى الكفر فقد كان في مقابلته دعاء الله تعالى لهم إلى الإيمان بما وضع فيهم من أدلة العقل وبما بعث إليهم من الرسل وأنزل إليهم من الكتب المشحونة بالوعد والوعيد والمواعظ والزواجر وناهيك بذلك صارفاً عن الكفر وداعياً إلى الإيمان، وهذا معنى ما حكاه الله تعالى عن الشيطان :﴿إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم﴾ (إبراهيم، ٢٢).
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٦١
تنبيه : اعترض أبو علي على الزمخشريّ في هذا الإعراب بأن الخبر ليس فيه زيادة فائدة على
١٦٢
ما في صفته، فإن قلت قد وصل الخبر بقوله كما غوينا وفيه زيادة قلت الزيادة بالظرف لا تصيِّره أصلاً في الجملة لأنّ الظروف فضلات، ثم إنه أعرب هو هؤلاء مبتدأ والذين أغوينا خبره وأغويناهم مستأنف، وأجاب أبو البقاء وغيره بأن الظروف قد تلزم كقولك زيد عمرو قائم في داره ثم أشاروا بقولهم ﴿تبرأنا إليك﴾ أي : من أمورهم إلى أنه لا لوم علينا في الحقيقة بسببهم فهو تقرير للجملة الأولى ولهذا خلت عن العاطف وعلى تقدير إغوائنا لهم ﴿ما كانوا إيانا﴾ أي : خاصة ﴿يعبدون﴾ بل كانوا يعبدون الأوثان بما زينت لهم أهواؤهم وإن كان لنا فيه نوع دعاء إليه وحث عليه فأقل ما نريد أن يوزع العذاب على من كان سبباً في ذلك، وقيل ما مصدرية متصلة بتبرأنا أي : تبرأنا من عبادتهم إيانا، ولما لم يلتفت إلى هذا الكلام منهم بل عدّ عدماً لأنه لا طائل تحته أشير إلى الإعراض عنه لأنه لا يستحق جواباً كما قيل رب قول جوابه السكوت، بقوله تعالى :
﴿وقيل﴾ أي : ثانياً للأتباع تهكماً بهم وإظهاراً لعجزهم الملزوم لتحيرهم وعظم تأسفهم وذكر ذلك بصيغة المجهول للأستهانة بهم وأنهم من الذل والصغار بحيث يجيبون كل آمر كائناً من كان ﴿ادعوا﴾ أي : كلكم ﴿شركاءكم﴾ أي : الذين ادعيتم جهلاً شركتهم ليدفعوا عنكم العذاب ﴿فدعوهم﴾ تعللاً بما لا يغني وتمسكاً بما يتحقق أنه لا يجدي لفرط الغلبة واستيلاء الحيرة والدهشة ﴿فلم يستجيبوا لهم﴾ أي : لم يجيبوهم لعجزهم عن الإجابة والنصرة، قال ابن عادل : والأقرب أنّ هذا على سبيل التقريع لأنهم يعلمون أنه لا فائدة في دعائهم ﴿ورأوا﴾ أي : هم ﴿العذاب﴾ عالمين بأنه مواقعهم لا مانع له عنهم فكان الحال حينئذ مقتضياً لأن يقال من كل من يهواهم ﴿لو أنهم كانوا يهتدون﴾ أي : تحصل منهم هداية ساعة من الدهر تأسفاً على أمرهم وتمنياً لخلاصهم ولو أن ذلك كان في طاقتهم وجواب لو محذوف أي : لنجوا من العذاب ولما رأوه أصلاً، قال الضحاك ومقاتل : يعني المتبوع والتابع يرون العذاب ولو أنهم كانوا يهتدون في الدنيا ما أبصروه في الآخرة.
﴿ويوم يناديهم﴾ أي : الله تعالى وهم بحيث يسمعهم الداعي وينفذهم البصر قد برزوا لله جميعاً من كان منهم عاصياً ومن كان منهم مطيعاً في صعيد واحد قد أخذنا بأنفاسهم الزحام وتراكب الأقدام على الأقدام وألجمهم العرق وعمهم الغرق ﴿فيقول ماذا﴾ أي : أوضحوا وعينوا جوابكم الذي ﴿أجبتم المرسلين﴾ إليكم، تنبيه : ويوم معطوف على الأوّل فإنه تعالى يسأل عن إشراكهم به ثم تكذيبهم الأنبياء ولما لم يكن لهم قدم صدق ولا سابق حق بما أتتهم الرسل به من الحجج لم يكن لهم جواب إلا السكوت وهو المراد بقوله تعالى :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٦١


الصفحة التالية
Icon