﴿ولذكر الله أكبر﴾ أي : لأنّ ذكر المستحق لكل صفات كمال أكبر من كل شيء فذكر الله تعالى أفضل الطاعات، قال ﷺ "ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير من إعطاء الذهب والفضة وأن تلقوا عدوّكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا : وما ذاك يا رسول الله قال : ذكر الله" وسئل ﷺ أي : العبادة أفضل عند الله درجة يوم القيامة قال :"الذاكرون الله كثيراً، قالوا يا رسول الله ومن الغازين في سبيل الله فقال : لو ضرب بسيفه الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دماً لكان الذاكر الله كثيراً أفضل منه درجة".
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٩٤
وروي أن رسول الله ﷺ مرّ على جبل في طريق مكة يقال له جمدان فقال :"سيروا هذا جمدان سبق المفردون قالوا وما المفردون يا رسول الله قال الذاكرون الله كثيراً والذاكرات" أو والصلاة أكبر من غيرها من الطاعات وسماها بذكر الله كما قال تعالى :﴿فاسعوا إلى ذكر الله﴾ (الجمعة : ٩)
وإنما قال ولذكر الله أكبر ليستقلّ بالتعليل كأنه قال والصلاة أكبر لأنها ذكر الله، وعن ابن عباس : ولذكر الله تعالى إياكم برحمته أكبر من ذكركم إياه بطاعته، وقال عطاء : ولذكر الله أكبر من أن يتقى معه معصية.
﴿والله﴾ أي : المحيط علماً وقدرة ﴿يعلم﴾ أي : في كل وقت ﴿ما تصنعون﴾ من الخير والشرّ فيجازيكم على ذلك، ولما بين تعالى طريقة إرشاد المشركين بين طريقة إرشاد أهل الكتاب بقوله تعالى :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٩٤
١٩٧
﴿ولا تجادلوا أهل الكتاب﴾ أي : اليهود والنصارى ظناً منكم أنّ الجدال ينفع أو يزيد في اليقين أو يردّ واحداً عن ضلال مبين ﴿إلا بالتي﴾ أي : بالمجادلة التي ﴿هي أحسن﴾ كمعارضة الخشونة باللين، والغضب بالكظم والدعاء إلى الله تعالى بآياته والتنبيه على حججه كما قال تعالى :﴿ادفع بالتي هي أحسن﴾ (المؤمنون، ٩٦) ﴿إلا الذين ظلموا منهم﴾ بأن حاربوا وأبوا أن يقروا بالجزية فجادلوهم بالسيف إلى أن يسلموا أو يعطوا الجزية، وقيل : إلا الذين آذوا رسول الله ﷺ وقيل إلا الذين أثبتوا الولد والشريك وقالوا يد الله مغلولة، وعن قتادة : الآية منسوخة بقوله تعالى :﴿قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر﴾ (التوبة : ٢٩)
ولا مجادلة أشدّ من السيف، ولما بين تعالى عن موجب الخلاف أمر بالاستعطاف بقوله تعالى :﴿وقولوا﴾ أي : لمن قبل الإقرار بالجزية إذا أخبروكم بشيء مما في كتبهم ﴿آمنا بالذي أنزل إلينا﴾ أي : من هذا الكتاب المعجز ﴿وأنزل إليكم﴾ من كتبكم أي : لأنه في أصله حق وإن كان قد نسخ، منه ما نسخ وإن حدثوكم بشيء منه وليس عندكم ما يصدقه ولا ما يكذبه فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، لما روى أبو داوود أنه ﷺ قال :"لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وكتبه ورسله فإن قالوا باطلاً لم تصدقوهم وإن قالوا حقاً لم تكذبوهم" أي : فإن هذا أدعى إلى الإنصاف وأنفى للخلاف، ولما لم يكن هذا جامعاً للفريقين أتبعه بما يجمعه بقوله تعالى :﴿وإلهنا وإلهكم واحد﴾ أي : لا إله لنا غيره، وإن ادّعى بعضكم عزيراً والمسيح ﴿ونحن له﴾ خاصة ﴿مسلمون﴾ أي : خاضعون منقادون أتم انقياد فيما يأمرنا به بعد الأصول من الفروع سواء كانت موافقة لفروعكم كالتوجه بالصلاة إلى بيت المقدس، أو ناسخة كالتوجه إلى الكعبة ولا نتخذ الأحبار والرهبان أرباباً من دون الله لنأخذ ما يشرعونه لنا مخالفاً لكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٩٧
وكذلك﴾ أي : ومثل ذلك الإنزال الذي أنزلناه إلى أنبيائهم من التوراة وغيرها ﴿أنزلنا إليك الكتاب﴾ أي : القرآن مصدّقاً لسائر الكتب الإلهية وهو تحقيق لقوله تعالى ﴿فالذين آتيناهم الكتاب﴾ أي : التوراة كعبد الله بن سلام وغيره ﴿يؤمنون به﴾ أي : بالقرآن ﴿ومن هؤلاء﴾ أي : أهل مكة أو ممن في عهده ﷺ من أهل الكتابين ﴿من يؤمن به﴾ وهم مؤمنو أهل مكة وأهل الكتابين ﴿وما يجحد﴾ أي : ينكر، قال قتادة : والجحود : إنما يكون بعد المعرفة ﴿بآياتنا﴾ أي : التي جاوزت أقصى غايات العظمة حتى إنها استحقت الإضافة إلينا ﴿إلا الكافرون﴾ أي : اليهود ظهر لهم أنّ القرآن حق والجائي به محق وجحدوا ذلك وهذا تنفير لهم عما هم عليه يعني أنكم آمنتم بكل شيء وامتزتم عن المشركين بكل فضيلة إلا هذه المسألة الواحدة وبإنكارها تلحقون بهم وتعطلون مزاياكم فإنّ الجاحد بآية يصير كافراً.
﴿وما﴾ أي : وأنزلنا إليك الكتاب والحال أنك ما ﴿كنت تتلو﴾ أي : تقرأ أصلاً ﴿من قبله﴾ أي : هذا الكتاب الذي أنزلناه إليك، وأكد استغراق الكتب بقوله تعالى :﴿من كتاب﴾ أصلاً ﴿ولا تخطه﴾ أي : تجدّد وتلازم خطه وصور الخط، وأكده بقوله :﴿بيمينك﴾ فإن قيل ما فائدة قوله
١٩٨