﴿ويوم تقوم الساعة﴾ أي : ويا له من يوم، وزاد في تهويله بقوله تعالى :﴿يومئذٍ يتفرّقون﴾ أي : المؤمنون الذين يفرحون بنصر الله والكافرون فرقة لا اجتماع بعدها، هؤلاء في عليين وهؤلاء في أسفل سافلين كما قال عز من قائل.
﴿فأمّا الذين آمنوا﴾ أي : أقروا بالإيمان بأنفسهم ﴿وعملوا﴾ تصديقاً لإقرارهم ﴿الصالحات فهم﴾ أي : خاصة ﴿في روضة﴾ وهي أرض عظيمة جداً منبسطة واسعة ذات ماء غدق ونبات معجب بهيج. هذا أصلها في اللغة، قال الطبري : ولا نجد أحسن منظراً ولا أطيب نشراً من الرياض اه والتنكير لإبهام أمرها وتفخيمه. والروضة عند العرب : كل أرض ذات نبات وماء. ومن أمثالهم : أحسن من بيضة في روضة، يريدون بيضة النعامة ﴿يحبرون﴾ قال أبو بكر بن عياش : التيجان على رؤوسهم، وقال أبو عبيدة : يسرون أي : على سبيل التجدد كل وقت سروراً تشرق له الوجوه وتبسم الأفواه وتزهر العيون فيظهر حسنها وبهجتها، فتظهر النعمة بظهور آثارها على أسهل الوجوه وأيسرها، وقال ابن عباس : يكرمون، وقال قتادة : ينعمون، وقال الأوزاعي عن يحيى بن كثير : يحبرون هو السماع في الجنة، وقال الأوزاعي : إذا أخذ في السماع لم يبق في الجنة شجرة إلا وردت، وقال : ليس أحد من خلق الله أحسن صوتاً من إسرافيل، فإذا أخذ في السماع قطع على أهل سبع سموات صلاتهم وتسبيحهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢١٢
وعن النبيّ ﷺ أنه ذكر الجنة وما فيها من النعيم وفي آخر القوم أعرابيّ قال يا رسول الله هل في الجنة من سماع ؟
قال :"نعم يا أعرابي إنّ في الجنة نهراً حافتاه الأبكار من كل بيضاء خوصانية يتغنين بأصوات لم تسمع الخلائق بمثلها قط فذلك أفضل نعيم الجنة" قال الدارمي : فسألت أبا الدرداء بم يتغنين قال : بالتسبيح وروي أن في الجنة لأشجاراً عليها أجراس من فضة فإذا أراد أهل الجنة السماع بعث الله ريحاً من تحت العرش فتقع في تلك الأجراس بأصوات لو سمعها أهل الدنيا لماتوا طرباً".
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢١٢
٢١٥
﴿وأما الذين كفروا﴾ أي : غطوا ما كشفته أنوار العقول ﴿وكذبوا﴾ عناداً ﴿بآياتنا﴾ التي لا أصدق منها ولا أضوأ من أنوارها بما لها من عظمتنا وهو القرآن ﴿ولقاء الآخرة﴾ أي : بالبعث وغيره ﴿فأولئك﴾ أي : البغضاء البعداء ﴿في العذاب﴾ الكامل لا غيره ﴿محضرون﴾ أي : مدخلون لا يغيبون عنه.
﴿فسبحان الله﴾ أي : سبحوا الله تعالى بمعنى صلوا ﴿حين تمسون﴾ أي : حين تدخلون في المساء وفيه صلاتان : المغرب والعشاء ﴿وحين تصبحون﴾ أي : تدخلون في الصباح وفيه صلاة الصبح. وقوله تعالى.
﴿وله الحمد في السموات والأرض﴾ اعتراض ومعناه : يحمده أهلهما. وقوله تعالى ﴿وعشياً﴾ عطف على حين وفيه صلاة العصر ﴿وحين تظهرون﴾ أي : تدخلون في الظهيرة وفيه صلاة الظهر، قال نافع بن الأزرق لابن عباس : هل تجد الصلوات الخمس في مواقيتها في القرآن ؟
فقرأ هاتين الآيتين وقال : جمعت الآيتان الصلوات الخمس ومواقيتها، وإنما خص هذه الأوقات مع أن أفضل الأعمال أدومها ؛ لأنّ الإنسان لا يقدر أن يصرف جميع أوقاته إلى التسبيح لأنه محتاج إلى ما يعيشه من مأكول ومشروب وغير ذلك، فخفف الله عنه العبادة في غالب الأوقات وأمره بها في أوّل النهار ووسطه وآخره وفي أوّل الليل ووسطه فإذا صلى العبد ركعتي الفجر فكأنما سبح قدر ساعتين، وكذلك باقي الركعات وهن سبع عشرة مع ركعتي الفجر، فإذا صلى الإنسان الصلوات الخمس في أوقاتها فكأنما سبح الله سبع عشرة ساعة من الليل والنهار، بقي عليه سبع ساعات من جميع الليل والنهار وهي مقدار النوم، والنائم مرفوع عنه القلم فيكون قد صرف جميع أوقاته بالتسبيح في العبادة، أو بمعنى : نزهوه من السوء بالثناء عليه بالخير في هذه الأوقات لما يتجدد فيها من نعم الله تعالى الظاهرة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢١٥
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله ﷺ قال :"من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر، " وعنه عن النبيّ ﷺ "من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال
٢١٦