﴿وعاداً﴾ أي : ودمرنا عاداً قوم هود بالريح. القصة الرابعة : قصة صالح عليه السلام المذكورة في قوله :﴿وثموداً﴾ أي : ودمرنا ثموداً قوم صالح بالصيحة. القصة الخامسة المذكورة في قوله تعالى :﴿وأصحاب الرس﴾ أي : البئر التي هي غير مطوية أي : مبنية قال ابن جرير : والرس في كلام العرب كل محفور مثل البئر والقبر أي : ودمرناهم بالخسف.
واختلف في نبيهم، فقيل : شعيب وقيل غيره، كانوا قعوداً حولها فانهارت بهم وبمنازلهم فهلكوا جميعاً، وقال الكلبي : الرس بئر بفلج اليمامة قتلوا نبيهم فأهلكهم الله تعالى وفلج بفتح الفاء واللام والجيم قرية عظيمة بناحية اليمن من مساكن عاد وبسكون اللام وادٍ قريب من البصرة، وقيل : الرس الأخدود، وقيل : بئر بأنطاكية قتلوا فيها حبيباً النجار، وقيل : أصحاب حنظلة بن صفوان كانوا مبتلين بالعنقاء وهي أعظم ما يكون من الطير سميت بذلك لطول عنقها، وكانت تسكن جبلهم الذي يقال له : تخ، قيل : هو بتاء فوقية، فخاء معجمة أو مهملة، وبياء تحتية وجيم وهي تنقض على صبيانهم فتخطفهم إن أعوزها الصيد فدعا عليها حنظلة فأصابتها الصاعقة، ثم إنهم قتلوا حنظلة فأهلكوا.
٢١
﴿وقروناً﴾ أي : ودمرنا قروناً ﴿بين ذلك﴾ أي : الأمر العظيم المذكور وهو بين كل أمتين من هذه الأمم وقد يذكر الذاكر أشياء مختلفة، ثم يشير إليها بذلك ويحسب الحاسب أعداداً متكاثرة ثم يقول : فذلك كيت وكيت على معنى فذلك المحسوب أو المعدود، ثم قال الله تعالى :﴿كثيراً﴾ وناهيك بما يقول فيه سبحانه وتعالى أنه كثير وأسند البغوي في تفسير أمة وسطاً في البقرة عن أبي سعيد الخدري قال :"قام فينا رسول الله ﷺ يوماً بعد صلاة العصر فما ترك شيئاً إلى يوم القيامة إلا ذكره في مقامه ذلك حتى إذا كانت الشمس على رؤوس النخل وأطراف الحيطان قال : إنه لم يبق من الدنيا فيما مضى إلا كما بقي من يومكم هذا ألا وإن هذه الأمة توفي سبعين أمة هي آخرها وأكرمها على الله عز وجل"، ثم إنه تعالى قال تسلية لنبيه محمد ﷺ وتأسية وبياناً لشريعته بالعفو عن أمته :
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢١
وكلاً﴾ أي : من هذه الأمم ﴿ضربنا﴾ أي : بما لنا من العظمة ﴿له الأمثال﴾ حتى وضح له السبيل وقام من غير شبهة الدليل ﴿وكلاً تبرنا تتبيراً﴾ أي : أهلكنا إهلاكاً، وقال الأخفش : كسرنا تكسيراً، وقال الزجاج : كل شيء كسرته وفتته فقد تبرته.
﴿ولقد أتوا﴾ أي : هؤلاء المكذبون من قومك ﴿على القرية التي أمطرت﴾ أي : وقع إمطارها ممن لا يقدر على الإمطار سواه بالحجارة ولذا قال تعالى :﴿مطر السوء﴾ مصدر ساء وهي قرى قوم لوط، قال البغوي : كانت خمس قرى، فأهلك الله تعالى أربعاً منها لعملهم الفاحشة، وبختنصر واحدة منهم وهي صغر وكان أهلها لا يعملون العمل الخبيث فإن قيل : لم عبر تعالى بالقرية وهي قرى ؟
أجيب : بأنه تعالى قال ذلك تحقيراً لشأنها في جنب قدرته تعالى وإهانة لمن يريد عذابه. ولانهماكهم على الفاحشة جميعهم حتى كانوا كأنهم شيء واحد وقوله تعالى :﴿أفلم يكونوا يرونها بل كانوا لا يرجون﴾ أي : لا يخافون ﴿نشوراً﴾ أي : بعثاً بعد الموت ؛ لأنه استقر في أنفسهم اعتقادهم التكذيب بالآخرة واستمروا عليه قرناً بعد قرن حتى تمكن منهم ذلك تمكيناً لا ينفع معه الاعتبار إلا من شاء الله.
﴿وإذا رأوك﴾ أي : مع ما يعلمون من صدق حديثك وكرم أفعالك ولو لم تأتهم بمعجزة فكيف وقد أتيتهم بما بهر العقول ﴿إن﴾ أي : ما ﴿يتخذونك إلا هزواً﴾ أي : مهزوء بك وعبر تعالى بالمصدر إشارة إلى مبالغتهم في الاستهزاء مع شدة بعده ﷺ عن ذلك يقولون :﴿أهذا الذي بعث الله رسولاً﴾ أي : في دعواه محتقرين له أن تأتيه الرسالة، وقولهم.
﴿إنْ﴾ مخففة من الثقيلة أي : إنه ﴿كاد ليضلنا﴾ أي : يصرفنا ﴿عن آلهتنا﴾ أي : عن عبادتها بفرط اجتهاده في الدعاء إلى التوحيد وكثرة ما يورد مما سبق إلى الذهن أنها حجج ومعجزات ﴿لولا أن صبرنا﴾ أي : بما لنا من الاجتماع والتعاضد ﴿عليها﴾ أي : على التمسك بعبادتها قال الله تعالى :﴿وسوف يعلمون﴾ أي : في حال لا ينفعهم فيه العمل ولا العلم وإن طالت مدة الإمهال في التمكين ﴿حين يرون العذاب﴾ عياناً في الآخرة ﴿من أضل سبيلاً﴾ أي : أخطأ طريقاً أهم أم المؤمنون.
٢٢
ولما كان ﷺ حريصاً على رجوعهم ولزوم ما ينفعهم واجتناب ما يضرهم سلاه تعالى بقوله تعالى متعجباً من حالهم :
﴿أرأيت﴾ أي : أخبرني ﴿من اتخذ إلهه هواه﴾ أي : أطاعه وبنى عليه دينه، لا سمع حجة ولا نظر دليلاً فإن قيل : لم أخر هواه والأصل قولك : اتخذ الهوى إلهاً ؟
أجيب : بأنه ما هو إلا تقديم المفعول الثاني على الأول للعناية كما تقول : علمت منطلقاً زايداً لفضل عنايتك بالمنطلق، ولما كان لا يقدر على صرف الهوى إلا الله تعالى تسبب عن شدة حرصه على هداهم قوله تعالى :﴿أفأنت تكون عليه وكيلاً﴾ أي : حافظاً تحفظه من اتباع هواه لا قدرة لك على ذلك.