و} اذكر ﴿إذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني﴾ تصغير إشفاق، وقرأ حفص بفتح الياء وسكنها ابن كثير، وكسرها الباقون ﴿لا تشرك بالله﴾ أي : الملك الأعظم ﴿إن الشرك﴾ أي : بالله ﴿لظلم عظيم﴾ فرجع إليه وأسلم ثم قال له أيضاً : يا بني اتخذ تقوى الله تعالى تجارة يأتيك الفرج من غير بضاعة، يا بني احضر الجنائز ولا تحضر العرس، فإنّ الجنائز تذكر الآخرة والعرس يشهيك الدنيا، يا بني لا تأكل شبعاً من شبع فاتك أن تلقيه للكلب خير من أن تأكله، يا بني لا تكونن أعجز من هذا الديك الذي يصوّت بالأسحار وأنت النائم على فراشك، يا بني لا تؤخر التوبة فإن الموت يأتي بغتة، يا بنيّ لا ترغب في ودّ الجاهل فترى أنك ترضى عمله، يا بنيّ اتق الله ولا تُري الناس أنك تخشى ليكرموك بذلك وقلبك فاجر، يا بني ما ندمت على الصمت قط فإنّ الكلام إذا كان من فضة كان السكوت من ذهب، يا بني اعتزل الشر كيما يعتزلك فإنّ الشرّ للشرّ خلف، يا بني إياك وشدّة الغضب فإنّ شدّة الغضب ممحقة لفؤاد الحكيم، يا بني عليك بمجالس العلماء واستمع كلام الحكماء فإن الله تعالى يحي القلب الميت بنور الحكمة كما يحي الأرض بوابل المطر فإن من كذب ذهب ماء وجهه ومن ساء خلقه كثر غمه، ونقل الصخور من مواضعها أيسر من إفهام من لا يفهم، يا بني لا ترسل رسولاً جاهلاً فإن لم تجد حكيماً فكن رسول نفسك، يا بني لا تنكح أمة غيرك فتورث بنيك حزناً طويلاً، يا بني يأتي على الناس زمان لا تقرّ فيه عين حليم، يا بني اختر المجالس على عينك فإذا رأيت المجلس يذكر فيه الله عز وجلّ فاجلس معهم فإنك إن تك عالماً ينفعك علمك، وإن تك غبياً يعلموك، وإن يطلع الله عز وجلّ عليهم برحمة تصبك معهم، يا بنيّ لا تجلس في المجلس الذي لا يذكر فيه الله تعالى فإنك إن تكن عالماً لا ينفعك علمك، وإن تكن غبياً يزيدوك غباوة وإن يطلع الله تعالى عليهم بعد ذلك بسخط يصبك معهم، يا بني لا يأكل طعامك إلا الأتقياء وشاور في أمرك العلماء، يا بني إنّ الدنيا أمر عميق وقد غرق فيها ناس كثير فاجعل سفينتك فيها تقوى الله وحشوها الإيمان بالله، وشراعها التوكل على الله لعلك أن تنجو ولا أراك ناجياً، يا بني إني حملت الجندل والحديد فلم أحمل شيئاً أثقل من جار السوء، وذقت المرارة كلها فلم أذق أشد من الفقر، يا بني كن ممن لا يبتغي محمدة الناس ولا يكسب مذمتهم فنفسه عنهم في غنى والناس منه في راحة، يا بُنَّي إنّ الحكمة أجلست المساكين مجالس الملوك، يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك فإنّ الله ليحي القلوب بنور الحكمة كما يحي الأرض الميتة بوابل السماء، يا بني لا تتعلم ما لا تعلم حتى تعمل بما تعلم، يا بني إذا أردت أن تواخي رجلاً فأغضبه
٢٤٣
قبل ذلك، فإن أنصفك عند غضبه وإلا فاحذره، يا بني إنك منذ نزلت إلى الدنيا استدبرتها واستقبلت الآخرة فدار أنت إليها تسير أقرب من دار أنت عنها تباعد، يا بني عود لسانك أن يقول : اللهم اغفر لي فإن لله ساعات لا ترد، يا بني إياك والدين فإنه ذل النهار وهم الليل، يا بني ارج الله رجاء لا يجرئك على معصيته وخف الله خوفاً لا يؤيسك من رحمته ا. ه. وإنما أكثرت من ذلك لعل الله ينفعنى ومن طالعه بذلك، وسيأتي في كلام الله تعالى زيادة على ذلك واقتصرت على هذا القدر وإلا فمواعظه لابنه لو أراد شخص الإكثار منها لجعل منها مجلدات.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٤١
فقد أخرج ابن أبي الدنيا عن حفص بن عمر الكندي قال : وضع لقمان عليه السلام جراباً من خردل إلى جنبه وجعل يعظ ابنه موعظة ويخرج خردلة فنفذ الخردل فقال : يا بني وعظتك موعظة لو وعظتها جبلاً لتفطر فتفطر ابنه. فسبحان من يعز ويذل، ويغني ويفقر، ويشفي ويمرض، ويرفع من يشاء وإن كان عبداً فلا بدع أن يخص محمداً ﷺ ذا النسب العالي والمنصب المنيف بالرسالة من بين قريش وإن لم يكن من أهل الدنيا المتعظمين بها، ولما ذكر سبحانه ما أوصى به ولده من شكر المنعم الأوّل الذي لم يشركه في إيجاده أحد وذكر ما عليه الشرك من الفظاعة والشناعة أتبعه وصيته سبحانه للولد بالوالد لكونه المنعم الثاني بالسببية في وجوده بقوله تعالى :