﴿هنالك﴾ أي : في ذلك الوقت العظيم البعيد الرتبة ﴿ابتلي المؤمنون﴾ اختبروا فظهر المخلص من المنافق والثابت من المتزلزل ﴿زلزلوا﴾ أي : حركوا وأزعجوا بما يرون من الأهوال بتظافر الأعداء مع الكثرة وتطاير الأراجيف ﴿زلزلاً شديداً﴾ فثبتوا تثبيت الله تعالى لهم على عدوهم، وعن صفية قالت : مر بنا رجل من اليهود فجعل يطوف بالحصن وقد حاربت بنو قريظة وقطعت ما بينها وبين رسول الله ﷺ وليس بيننا وبينهم من يدفع عنا، ورسول الله ﷺ وأصحابه في نحور عدوهم لا يستطيعون أن ينصرفوا إلينا عنهم إذا أتانا آت قالت : فقلت يا حسان إن هذا اليهودي يطوف بنا كما ترى بالحصن وإني والله ما آمنه أن يدل على عوراتنا من ورائنا من يهود، وقد شغل عنا رسول الله ﷺ وأصحابه فانزل إليه فاقتله فقال : يغفر الله لك يا ابنة عبد المطلب والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٨٦
قالت : فلما قال ذلك ولم أر عنده شيئاً احتجزت ثم أخذت عموداً ثم نزلت من الحصن إليه فضربته بالعمود حتى قتلته، فلما فرغت منه رجعت إلى الحصن فقلت يا حسان انزل إليه فاسلبه فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل قال : ما لي بسلبه من حاجة يا ابنة عبد المطلب" وأقام رسول الله ﷺ وأصحابه فيما وصف الله من الخوف والشدة لتظاهر عدوهم وإتيانهم من فوقهم ومن أسفل منهم.
ثم إن نعيم بن مسعود بن عامر بن غطفان أتى رسول الله ﷺ فقال : يا رسول الله إني قد أسلمت وإن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت فقال رسول الله ﷺ إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا إن استطعت فإنما الحرب خدعة، فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى قريظة وكان لهم نديماً في الجاهلية فقال لهم : يا بني قريظة قد عرفتم وِدِّي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم قالوا : صدقت لست عندنا بمتهم فقال لهم : إن قريشاً وغطفان جاؤوا لحرب محمد وقد ظاهرتموهم عليه، وإن قريشاً وغطفان ليسوا كهيئتكم البلد بلدكم وبه أموالكم وأولادكم ونساؤكم لا تقدرون على أن تتحولوا منه إلى غيره، وإن قريشاً وغطفان أموالهم وأبناؤهم ونساؤهم بغيره إن رأو نهزة وغنيمة أصابوها، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل، والرجل ببلدكم لا طاقة لكم
٢٩٠
به إن خلا بكم فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهناً من أشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن يقاتلوا معكم محمداً ﷺ حين تناجزوه.
قالوا : لقد أشرت برأي ونصح، ثم خرج حتى أتى قريشاً فقال لأبي سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش : قد عرفتم ودي إياكم وفراقي محمداً، وقد بلغني أمر رأيته أن حقاً علي أن أبلغكم نصحاً لكم فاكتموا علي قالوا : نفعل قال : تعلموا أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا بينهم وبين محمد، وقد أرسلوا إليه أن قد ندمنا على ما فعلنا فهل يرضيك عنا أن نأخذ من القبيلتين من قريش وغطفان رجالاً من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم، ثم نكون معك على من بقي منهم فأرسل إليهم أن نعم، فإن بعثت إليكم اليهود يلتمسون رهناً من رجالكم فلا تدفعوا إليهم رجلاً واحداً.
ثم خرج حتى أتى غطفان فقال : يا معشر غطفان أنتم أهلي وعشيرتي وأحب الناس إلي ولا أراكم تتهموني، قالوا صدقت قال فاكتموا علي قالوا : نفعل، ثم قال لهم مثل ما قال لقريش وحذرهم مثل ما حذرهم فلما كانت ليلة السبت في شوال سنة خمس، وكان مما صنع الله لرسوله ﷺ أرسل أبو سفيان ورؤوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان فقالوا : إنا لسنا بدار مقام قد هلك الخف والحافر فأعدوا للقتال حتى نناجز محمداً ﷺ ونفرغ مما بيننا وبينه، فأرسلوا إليهم أن اليوم السبت وهو يوم لا نعمل فيه شيئاً وقد كان أحدث فيه بعضنا حدثاً فأصابه ما لم يخف عليكم، ولسنا مع ذلك بالذي نقاتل معكم حتى تعطونا رهناً من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمداً ﷺ فإنا نخشى إن ضرمتكم الحرب واشتدت عليكم أن تسيروا إلى بلادكم وتتركونا والرجل في بلادنا، ولا طاقة لنا بذلك من محمد صلى الله عليه وسلم
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٨٦


الصفحة التالية
Icon