نخشى عليه وإن نظهر فلعمري لتحدث النساء والأبناء قالوا : نقتل هؤلاء المساكين فما خير العيش بعدهم، فإن أبيتم هذه فإن الليلة ليلة السبت فعسى أن يكون محمد وأصحابه قد آمنوا، فانزلوا لعلنا أن نصيب منهم غرة قالوا : نفسد سبتنا ونحدث فيه ما لم يكن أحدث فيه من كان قبلنا فتركهم.
قال علماء السير : وحاصرهم رسول الله ﷺ خمساً وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار فقال لهم رسول الله ﷺ تنزلون على حكمي ؟
فأبوا وكانوا قد طلبوا أبا لبابة بن عبد المنذر أخا بني عمر وبن عوف وكانوا حلفاء الأوس يستشيرونه في أمرهم، فأرسله رسول الله ﷺ إليهم، فلما رأوه قام إليه الرجال والنساء والصبيان يبكون في وجهه، فرق لهم فقالوا : يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد ؟
قال : نعم وأشار بيده إلى حلقه يعني أنه يقتلكم قال أبو لبابة : فوالله ما زالت قدماي حتى قد عرفت أني خنت الله ورسوله، ثم انطلق أبو لبابة على وجهه ولم يأت رسول الله ﷺ حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده وقال : لا أبرح من مكاني حتى يتوب الله تعالى علي مما صنعت، وعاهد الله تعالى لا يطأ بني قريظة أبداً ولا يراني الله تعالى في بلد خنت فيه الله ورسوله.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٩٨
فلما بلغ رسول الله ﷺ خبره وأبطأ عليه قال : أما لو جاءني لاستغفرت له، فأما إذ فعل فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه فقال لهم رسول الله ﷺ تنزلون على حكم سعد بن معاذ فرضوا به فقال سعد : حكمت فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم ونساؤهم، فكبر النبي ﷺ وقال :"لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع أرقعة"، ثم استنزلهم وخندق في سوق المدينة خندقاً وقدمهم فضرب أعناقهم من ثمانمائة إلى تسعمائة وقيل كانوا ستمائة مقاتل وسبعمائة أسير ﴿وقذف﴾ أي : الله تعالى ﴿في قلوبهم الرعب﴾ حتى سلموا أنفسهم للقتل وأولادهم ونساءهم للسبي كما قال الله تعالى :﴿فريقاً تقتلون﴾ وهم الرجال يقال : كانوا ستمائة ﴿وتأسرون فريقاً﴾ وهم النساء والذراري يقال : كانوا سبعمائة وخمسين، ويقال : تسعمائة.
فإن قيل : ما فائدة تقديم المفعول في الأول حيث قال تعالى :﴿فريقاً تقتلون﴾ وتأخيره في الثاني حيث قال :﴿وتأسرون فريقاً﴾ أجيب : بأن الرازي قال : ما من شيء من القرآن إلا وله فائدة، منها ما يظهر ومنها ما لا يظهر، والذي يظهر من هذا والله أعلم ؛ أن القائل يبدأ بالأهم فالأهم والأقرب فالأقرب، والرجال كانوا مشهورين، وكان القتل وارداً عليهم، وكان الأسراء هم النساء والذراري ولم يكونوا مشهورين، والسبي والأسر أظهر من القتل لأنه يبقى فيظهر لكل أحد أنه أسير فقدم من المحلين ما اشتهر على الفعل القائم به، ومن الفعلين ما هو أشهر قدمه على المحل الخفي انتهى. وقرأ ابن عامر والكسائي الرعب بضم العين والباقون بسكونها.
ولما ذكر الناطق بقسميه ذكر الصامت بقوله تعالى :
﴿وأورثكم أرضهم﴾ من الحدائق والمزارع ﴿وديارهم﴾ أي : حصونهم لأنه يحامى عليها ما لا يحامى على غيرها ﴿وأموالهم﴾ من النقد والماشية والسلاح والأثاث وغيرها، فقسم رسول الله ﷺ "للفارس ثلاثة أسهم للفرس سهمان ولفارسه سهم"، كما للراجل ممن ليس له فرس سهم. وأخرج منها الخمس وكانت
٣٠٢
الخيل ستة وثلاثين فرساً، وكان هذا أول فيء وضع فيه السهمان، وجرى على سننه في المغازي واصطفى رسول الله ﷺ من سباياهم ريحانة بنت عمرو بن قريظة.
وكان رسول الله ﷺ يحرص عليها أن يتزوجها ويضرب عليها الحجاب فقالت : يا رسول الله تتركني في ملكك فهو أخف علي وعليك فتركها، وكانت حين سباها كرهت الإسلام وأبت إلا اليهودية فعزلها رسول الله ﷺ ووجد في نفسه من أمرها، فبينما هو مع أصحابه إذ سمع وقع نعلين خلفه فقال : إن هذا لثعلبة ابن شعبة يبشرني بإسلام ريحانة، فجاءه فقال : يا رسول الله قد أسلمت ريحانة فسره ذلك.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٩٨
روي أن رسول الله ﷺ جعل عقارهم للمهاجرين دون الأنصار فقالت الأنصار في ذلك فقال : إنكم في منازلكم وقال عمر : إنا نخمس كما خمست يوم بدر، قال : لا إنما جعلت هذه طعمة لي دون الناس قال : رضينا بما صنع الله ورسوله.