وروى عكرمة عن ابن عباس أنه قال : الجاهلية الأولى فيما بين نوح وإدريس عليهما السلام، وكانت ألف سنة، وإن بطنين من ولد آدم كان أحدهما يسكن السهل، والآخر يسكن الجبل، وكان رجال الجبل صباحاً، وفي النساء دمامة وكان نساء السهل صباحاً، وفي الرجال دمامة، وإن إبليس أتى رجالاً من أهل السهل وأجر نفسه منهم فكان يخدمهم، واتخذ شيئاً مثل الذي يزمر به الرعاء، فجاء بصوت لم يسمع الناس مثله، فبلغ ذلك من حوله فأتوه وهم يستمعون إليه، واتخذوا عيداً يجتمعون إليه في السنة فيتبرج النساء للرجال ويتزين الرجال لهن، وأن رجلاً من أهل الجبل هجم عليهم في عيدهم ذلك فرأى النساء وصباحتهنّ فأتى أصحابه فأخبرهم بذلك فنحوا إليهم فنزلوا معهم وظهرت الفاحشة بينهم فذلك قوله تعالى ﴿ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى﴾.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٠٧
وقال قتادة : ما قبل الإسلام وقيل : الجاهلية الأولى ما ذكرنا، والجاهلية الأخرى قوم يفعلون مثل فعلهم في آخر الزمان وقيل : الجاهلية الأولى ما كانوا عليه قبل الإسلام، والجاهلية الأخرى جاهلية الفسوق في الإسلام، ويعضده قوله ﷺ لأبي ذر كما في الصحيحين :"إن فيك جاهلية كفر وإسلام" وقول البيضاوي عن أبي الدرداء، قال ابن حجر : لم أجده عن أبي الدرداء وقيل : قد تذكر الأولى وإن لم تكن لها أخرى كقوله تعالى ﴿وإنه أهلك عاداً الأولى﴾ (النجم : ٥٠)
ولم تكن لها أخرى.
ولما أمرهن بلزوم البيوت للتخلية عن الشوائب أرشدهن إلى التحلية بالرغائب بقوله تعالى :
﴿وأقمن الصلاة﴾ أي : فرضاً ونفلاً صلة لما بينكن وبين الخالق ﴿إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر﴾ (العنكبوت : ٤٥)
﴿وآتين الزكاة﴾ إحساناً إلى الخلائق وفي هذا بشارة بالفتوح
٣٠٩
وتوسيع الدنيا عليهن، فإن العيش وقت نزولها كان ضيقاً عن القوت فضلاً عن الزكاة.
ولما أمرهن بخصوص ما تقدم لأنهما أصل الطاعات البدنية والمالية، ومن اعتنى بهما حق الاعتناء جرتاه إلى ما وراءهما تمم وجمع في قوله تعالى :﴿وأطعن الله﴾ أي : الذي له صفات الكمال ﴿ورسوله﴾ أي : الذي لا ينطق عن الهوى فيما أمرا به ونهيا عنه ﴿إنما يريد الله﴾ أي : الذي هو ذو الجلال والإكرام بما أمركن به ونهاكن عنه من الإعراض عن الزينة وما يتبعها والإقبال عليه ﴿ليذهب﴾ أي : لأجل أن يذهب ﴿عنكم الرجس﴾ أي : الإثم الذي نهى الله تعالى عنه النساء قاله مقاتل، وقال ابن عباس : يعني عمل الشيطان وما ليس فيه رضا الرحمن. وقال قتادة : يعني السوء وقال مجاهد : الرجس الشك وقوله تعالى :﴿أهل البيت﴾ في ناصبه أوجه : أحدها : النداء أي : يا أهل البيت، أو المدح أي : أمدح أهل البيت، أو الاختصاص أي : أخص أهل البيت كما قال ﷺ "نحن معاشر الأنبياء لا نورث" والاختصاص في المخاطب أقل منه في المتكلم، وسمع : منك الله نرجو الفضل والأكثر إنما هو في المتكلم كقولها :
*نحن بنات طارق نمشي على النمارق*
وقولهم :
*نحن بني ضبة أصحاب الجمل ** الموت أحلى عندنا من العسل*
وقولهم :
*نحن العرب أقرى الناس للضيف*
واختلف في أهل البيت والأولى فيهم ما قال البقاعي : إنهم كل من يكون من إلزام النبي ﷺ من الرجال والنساء والأزواج والإماء والأقارب، وكلما كان الإنسان منهم أقرب وبالنبي ﷺ أخص وألزم كان بالإرادة أحق وأجدر ويؤيده قول البيضاوي، وتخصيص الشيعة أهل البيت بفاطمة وعلي وابنيهما رضي الله تعالى عنهم ؛ لما روي أنه عليه الصلاة والسلام خرج ذات غدوة وعليه مرط مرجل من شعر أسود، فجلس فجاءت فاطمة فأدخلها فيه، ثم جاء علي فأدخله فيه، ثم جاء الحسن والحسين فأدخلهما فيه، ثم قال :﴿إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت﴾ والاحتجاج بذلك على عصمتهم وكون إجماعهم حجة ضعيف.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٠٧
وعن ابن عباس أنهم نساء النبي ﷺ لأنهن في بيته وتلا قوله تعالى :﴿واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله﴾ (الأحزاب : ٣٤)
وعن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت :"في بيتي أنزل ﴿إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت﴾ قالت : فأرسل رسول الله ﷺ إلى فاطمة وعلي
٣١٠
والحسن والحسين فقال : هؤلاء أهل بيتي فقلت : يا رسول الله ما أنا من أهل البيت فقال بلى إن شاء الله" وقال زيد بن أرقم : أهل بيته من حرم الصدقة بعده آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس، قال الرازي : والأولى أن يقال لهم أولاده وأزواجه والحسن والحسين، وعلي منهم لأنه كان من أهل بيته لمعاشرته بنت النبي ﷺ ولملازمته له.