جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٠٧
ولما كان المؤمن المسلم قد لا يكون في أعماله مخلصاً قال :﴿والقانتين والقانتات﴾ أي : المخلصين في إيمانهم وإسلامهم المداومين على الطاعة.
ولما كان القنوت قد يطلق على الإخلاص المقتضى للمداومة، وقد يطلق على مطلق الطاعة قال :﴿والصادقين والصادقات﴾ أي : في ذلك كله من قول وعمل.
ولما كان الصدق وهو إخلاص القول والعمل عن شوب يلحقه أو شيء يدنسه قد لا يكون دائماً قال مشيراً إلى أن ما لا يكون دائماً لا يكون صدقاً في الواقع :﴿والصابرين والصابرات﴾ أي : على الطاعات وعن المعاصي.
ولما كان الصبر قد يكون سجية دل على صرفه إلى الله بقوله تعالى :﴿والخاشعين والخاشعات﴾ أي : المتواضعين لله تعالى بقلوبهم وجوارحهم.
ولما كان الخشوع والخضوع والإخبات والسكون لا يصح مع توفير المال، فإنه سكون إليه قال معلماً : إنه إذ ذاك لا يكون على حقيقته ﴿والمتصدقين والمتصدقات﴾ بما وجب في أموالهم وبما استحب سراً وعلانية تصديقاً لخشوعهم.
٣١٢
ولما كان بذل المال قد لا يكون مع الإيثار أتبعه ما يعين عليه بقوله تعالى :﴿والصائمين والصائمات﴾ أي : فرضاً ونفلاً للإيثار بالقوت وغير ذلك.
ولما كان الصوم يكسر شهوة الفرج وقد يثيرها قال تعالى :﴿والحافظين فروجهم والحافظات﴾ أي : عما لا يحل لهم. وحذف مفعول الحافظات لتقدم ما يدل عليه، والتقدير : والحافظاتها، وكذلك والذاكرات، وحسن الحذف رؤوس الفواصل.
ولما كان حفظ الفرج وسائر الأعمال لا يكاد يوجد إلا بالذكر وهو الذي يكون عنده المراقبة الموصلة إلى المحاضرة المحققة للمشاهدة المحببة للفناء قال تعالى :﴿والذاكرين الله كثيراً والذاكرات﴾ أي : بقلوبهم وألسنتهم في كل حالة.
ومن علامات الإكثار من الذكر اللهج به عند الاستيقاظ من النوم، وقال مجاهد : لا يكون العبد من الذاكرين الله كثيراً حتى يذكر الله قائماً وقاعداً ومضطجعاً، روي أن النبي ﷺ قال :"سبق المفردون قالوا : وما المفردون قال :"الذاكرون الله تعالى كثيراً والذاكرات" قال عطاء بن أبي رباح : من فوض أمره إلى الله عز وجل فهو داخل في قوله تعالى :﴿إن المسلمين والمسلمات﴾ ومن أقر بأن الله تعالى ربه، ومحمداً ﷺ رسوله ولم يخالف قلبه لسانه فهو داخل في قوله تعالى :﴿والمؤمنين والمؤمنات﴾ ومن أطاع الله تعالى في الفرض، والرسول ﷺ في السنة فهو داخل في قوله تعالى :﴿والقانتين والقانتات﴾ ومن صان قوله عن الكذب فهو داخل في قوله تعالى :﴿والصادقين والصادقات﴾ ومن صبر على الطاعات وعن المعصية وعلى الرزية فهو داخل في قوله تعالى :﴿والصابرين والصابرات﴾.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٠٧
ومن صلى ولم يعرف من عن يمينه وعن يساره فهو داخل في قوله تعالى :﴿والخاشعين والخاشعات﴾ ومن تصدق في كل أسبوع بدرهم فهو داخل في قوله تعالى :﴿والمتصدقين والمتصدقات﴾ ومن صام في كل شهر أيام البيض الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر فهو داخل في قوله تعالى :﴿والصائمين والصائمات﴾ ومن حفظ فرجه عن الحرام فهو داخل في قوله تعالى :﴿والحافظين فروجهم والحافظات﴾ ومن صلى الصلوات الخمس بحقوقها فهو داخل في قوله تعالى :﴿والذاكرين الله كثيراً والذاكرات﴾ ﴿أعد الله﴾ أي : الذي لا يقدر أحد أن يقدره حق قدره مع أنه لا يعاظمه شيء ﴿لهم مغفرة﴾ أي : لما اقترفوه من الصغائر لأنها مكفرات بفعل الطاعات، والآية عامة وفضل الله تعالى واسع.
ولما ذكر تعالى الفضل بالتجاوز أتبعه الفضل بالكرم والرحمة بقوله تعالى :﴿وأجراً عظيما﴾ أي : على طاعتهم، والآية وعد لهن ولأمثالهن بالإثابة على الطاعة والتدرع بهذه الخصال، وروي أن سبب نزول هذه الآية :"أن أزواج النبي ﷺ قلن : يا رسول الله ذكر الله الرجال في القرآن ولم يذكر النساء بخير فما فينا خير نذكر به ؟
إنا نخاف أن لا تقبل منا طاعة فأنزل الله تعالى هذه الآية".
روي أن أسماء بنت عميس رجعت من الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب فدخلت على نساء النبي ﷺ فقالت : هل نزل فينا شيء من القرآن قلن : لا فأتت النبي ﷺ فقالت :"يا رسول الله إن النساء لفي خيبة وخسار قال : ومم ذاك قالت : لأنهن لا يذكرن بخير كما تذكر الرجال" فأنزل
٣١٣
الله عز وجل هذه الآية. وقيل : لما نزل في نساء النبي ﷺ ما نزل قال نساء المسلمين : فما نزل فينا شيء فنزلت.


الصفحة التالية
Icon