تنبيه : عطف الإناث على الذكور لاختلاف جنسهما، والعطف فيه ضروري لاختلافهما ذاتاً، وعطف الزوجين وهو مجموع المؤمنين والمؤمنات على الزوجين، وهو مجموع المسلمين والمسلمات لتغاير وصفيهما. وليس العطف فيه بضروري بخلافه في الأول ؛ لأن اختلاف الجنس أشد من اختلاف الصفة، وفائدة العطف عند تغاير الأوصاف الدلالة على أن أعداد المعد من المغفرة والأجر العظيم أي : تهيئته للمذكورين للجمع بين هذه الصفات، فصار المعنى : أن الجامعين والجامعات لهذه الطاعات العشر أعد الله تعالى لهم مغفرة وأجراً عظيماً.
وقوله تعالى :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٠٧
﴿وما كان﴾ أي : وما صح ﴿لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً﴾ أي : إذا قضى رسول الله ﷺ وذكر الله تعالى لتعظيم أمره، والإشعار بأنه قضاء الله تعالى. نزلت في زينب بنت جحش الأسدية وأخيها عبد الله بن جحش، وأمها أمية بنت عبد المطلب عمة النبي ﷺ "لما خطب النبي ﷺ زينب على مولاه زيد بن حارثة، وكان اشترى زيداً في الجاهلية بعكاظ فأعتقه وتبناه، فلما خطب النبي ﷺ زينب رضيت وظنت أنه يخطبها لنفسه، فلما علمت أنه يخطبها لزيد بن حارثة أبت وقالت : أنا ابنة عمتك يا رسول الله فلا أرضاه لنفسي، وكانت بيضاء جميلة فيها حدة، وكذلك كره أخوها" ذلك رواه الدارقطني بسند ضعيف، وقيل : في أم كلثوم بنت عقبة وهبت نفسها للنبي ﷺ فزوجها من زيد ﴿أن تكون لهم الخيرة من أمرهم﴾ أي : أن يختاروا من أمرهم شيئاً، بل يجب عليهم أن يجعلوا اختيارهم تبعاً لاختيار الله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣١٤
تنبيه : الخيرة : مصدر من تخير كالطيرة من تطير على غير قياس، وجمع الضمير في قوله تعالى :﴿لهم﴾ وفي قوله تعالى :﴿من أمرهم﴾ لعموم مؤمن ومؤمنة من حيث أنها في سياق النفي، ويجوز أن يكون الضمير في من أمرهم لله تعالى ولرسوله ﷺ وجمع للتعظيم كما جرى عليه البيضاوي، وقرأ أن يكون الكوفيون وهشام بالياء التحتية والباقون بالفوقية، ولأنه ﷺ لا ينطق عن الهوى، ومن عصاه فقد عصى الله تعالى كما قال تعالى :﴿ومن يعص الله﴾ أي : الذي لا أمر لأحد معه ﴿ورسوله﴾ أي : الذي معصيته معصية الله تعالى لكونه بينه وبين الخلق في بيان ما أرسل به إليهم. وقوله تعالى :﴿فقد ضل﴾ قرأه قالون وابن كثير وعاصم بالإظهار، والباقون بالإدغام وزاد ذلك بقوله تعالى :﴿ضلالاً مبيناً﴾ أي : فقد أخطأ خطأ ظاهراً لا خفاء فيه، فالواجب على كل أحد أن يكون معه ﷺ في كل ما يختاره، وإن كان فيه أعظم المشقات عليه تخلقاً. يقول الشاعر :
*وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي ** متأخر عنه ولا متقدم*
*وأهنتني فأهنت نفسي عامداً ** ما من يهون عليك ممن يكرم*
فلما نزلت هذه الآية رضيت زينب بذلك وجعلت أمرها بيد النبي ﷺ وكذلك أخوها
٣١٤
فأنكحها ﷺ زيداً، فدخل بها وساق إليها رسول الله ﷺ عشرة دنانير وستين درهماً، وخماراً ودرعاً وإزاراً وملحفة، وخمسين مداً من الطعام، وثلاثين صاعاً من تمر. ومكثت عنده حيناً. ثم إن رسول الله ﷺ أتى زيداً ذات يوم لحاجة، فأبصر زينب قائمة في درع وخمار وكانت بيضاء جميلة ذات خلق من أتم نساء قريش، فوقعت في نفسه وأعجبه حسنها فقال : سبحان الله مقلب القلوب وانصرف، فلما جاء زيد ذكرت ذلك له ففطن زيد، فألقي في نفس زيد كراهتها في الوقت، فأتى رسول الله ﷺ فقال : إني أريد أن أفارق صاحبتي قال : مالك أربك منها شيء قال : لا والله يا رسول الله ما رأيت منها إلا خيراً، ولكنها تتعاظم عليّ لشرفها، وتؤذيني بلسانها، فقال له النبي ﷺ أمسك عليك زوجك يعني زينب بنت جحش واتق الله في أمرها فأنزل الله تعالى :
﴿وإذ تقول للذي أنعم الله﴾ أي : الملك الذي له كل الكمال ﴿عليه﴾ وتولى نبيه عليه الصلاة والسلام إياه"، وقرأ نافع وابن كثير وابن ذكوان وعاصم بالإظهار والباقون بالإدغام.


الصفحة التالية
Icon