وجاء رسول الله ﷺ فدخل عليها بغير إذن قال : ولقد رأيتنا أن رسول الله ﷺ أطعمنا الخبز واللحم حتى امتد النهار، فخرج الناس وبقي رجال يتحدثون في البيت بعد الطعام، فخرج رسول الله ﷺ واتبعته، فجعل يتبع حجر نسائه يسلم عليهن ويقلن : يا رسول الله كيف وجدت أهلك ؟
قال : فما أدري، أنا أخبرته أن القوم خرجوا أو أخبرني قال : فانطلق حتى دخل البيت فذهبت أدخل معه فألقى الستر بيني وبينه ونزل الحجاب".
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣١٤
وعن أنس رضي الله عنه قال :"ما أولم النبي ﷺ على شيء من نسائه ما أولم على زينب،
٣١٦
أولم بشاة" وفي رواية :"أكثر وأفضل ما أولم على زينب" قال ثابت : فما أولم قال : أطعمهم خبزاً ولحماً حتى تركوه قال أنس رضي الله عنه :"كانت زينب تفخر على أزواج النبي ﷺ تقول : زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات" وقال الشعبي :"كانت زينب تقول للنبي ﷺ إني لأدل عليك بثلاث : ما من نسائك امرأة تدل بهن : جدي وجدك واحد، وأنكحنيك الله في السماء، وإن السفير لجبريل عليه السلام " وأخرج ابن سعد والحاكم عن محمد بن يحيى بن حبان قال :"جاء رسول الله ﷺ بيت زيد بن حارثة يطلبه، وكان زيد يقال له : زيد بن محمد، فربما فقده رسول الله ﷺ الساعة فيقول : أين زيد ؟
فجاء منزله يطلبه فلم يجده، وتقوم إليه زينب بنت جحش زوجته فضلاً، فأعرض رسول الله ﷺ عنها فقالت : ليس هو ههنا يا رسول الله فادخل، فأبى أن يدخل، فأعجبت رسول الله ﷺ فولى وهو يهمهم بشيء لا يكاد يفهم منه إلا ربما أعلن بسبحان الله العظيم سبحان مصرف القلوب، فجاء زيد إلى منزله فأخبرته امرأته أن رسول الله ﷺ أتى منزله فقال زيد : ألا قلت له أن يدخل قالت : قد عرضت ذلك عليه فأبى قال : فسمعت شيئاً منه قالت : سمعته حين ولى تكلم بكلام لا أفهمه وسمعته يقول : سبحان الله العظيم سبحان مصرف القلوب، فجاء زيد حتى أتى رسول الله ﷺ فقال : يا رسول الله بلغني أنك جئت منزلي فهلا دخلت يا رسول الله لعل زينب أعجبتك فأفارقها فقال رسول الله ﷺ ﴿أمسك عليك زوجك﴾ فما استطاع زيد إليها سبيلاً بعد ذلك اليوم فيأتي إلى رسول الله ﷺ فيخبره فيقول :﴿أمسك عليك زوجك﴾ ففارقها زيد واعتزلها وانقضت عدتها، فبينما رسول الله ﷺ جالس يتحدث مع عائشة إذ أخذته غشية، فسري عنه وهو يبتسم ويقول : من يذهب إلى زينب يبشرها أن الله زوجنيها من السماء، وقرأ ﴿وإذ تقول للذي﴾ الآية قالت عائشة : فأخذني ما قرب وما بعد لما يبلغنا من جمالها، وأخرى هي أعظم الأمور وأشرفها زوجها الله من السماء وقلت : هي تفخر علينا بهذا".
ولما ذكر تعالى التزويج على ماله من العظمة ذكر علته بقوله تعالى :﴿لكي لا يكون على المؤمنين حرج﴾ أي : ضيق وإثم ﴿في أزواج أدعيائهم﴾ أي : الذين تبنوهم وأجروهم في تحريم أزواجهم مجرى أزواج البنين على الحقيقة ﴿إذا قضوا منهن وطرا﴾ أي : حاجة بالدخول بهن، ثم الطلاق وانقضاء العدة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣١٤
فائدة : لا مقطوعة في الرسم من ﴿لكي﴾.
تنبيه : الأدعياء : جمع دعي وهو المتبنى أي : زوجناك زينب وهي امرأة زيد الذي تبنيته ليعلم أن زوجة المتبنى حلال للمتبني وإن كان قد دخل بها المتبنى، بخلاف امرأة ابن الصلب لا تحل للأب ﴿وكان أمر الله﴾ من الحكم بتزويجها وإن كرهت وتركت إظهار ما أخبرك الله تعالى به
٣١٧
كراهية لسوء المقالة واستحياء من ذلك، وكذا كل أمر يريده سبحانه ﴿مفعولاً﴾ أي : قضاء الله تعالى ماضياً وحكمه نافذاً في كل ما أراده لا معقب لحكمه.
﴿ما كان على النبي﴾ أي : الذي منزلته من الله تعالى الاطلاع على ألا يطلع عليه غيره من الخلق ﴿من حرج فيما فرض﴾ أي : قدر ﴿الله﴾ بما له من صفات الكمال وأوجبه ﴿له﴾ لأنه لم يكن على المؤمنين مطلقاً حرج في ذلك فكيف برأس المؤمنين ؟
وقوله تعالى ﴿سنة الله﴾ منصوب بنزع الخافض أي : كسنة الله ﴿في الذين خلوا من قبل﴾ من الأنبياء عليهم السلام أنه لا حرج عليهم فيما أباح لهم، قال الكلبي ومقاتل : أراد داود عليه السلام حين جمع بينه وبين المرأة التي هويها، فكذلك جمع بين محمد وبين زينب. وقيل : أراد بالسنة النكاح فإنه من سنة الأنبياء عليهم السلام، فكان من كان من الأنبياء عليهم السلام هذا سنتهم، فقد كان لسليمان بن داود عليهما السلام ألف امرأة، وكان لداود مائة امرأة ﴿وكان أمر الله﴾ أي : قضاء الملك الأعظم في ذلك وغيره ﴿قدراً﴾ وأكده بقوله تعالى :﴿مقدوراً﴾ أي : لا خلف فيه ولابد من وقوعه في حينه الذي حكم بكونه فيه وقوله تعالى :