ولما كان فعل الملائكة منسوباً إليه قال تعالى :﴿ليخرجكم﴾ أي : ليديم إخراجه إياكم بذلك ﴿من الظلمات﴾ أي : الكفر والمعصية ﴿إلى النور﴾ إلى الإيمان والطاعة، أو ليخرجكم من الجهل الموجب للضلال إلى العلم المثمر للهدى ﴿وكان﴾ أي : أزلاً وأبداً ﴿بالمؤمنين﴾ أي : الذين صار الإيمان وصفاً لهم ﴿رحيماً﴾ أي : بليغ الرحمة بتوفيقهم حيث اعتنى بصلاح أمرهم واستعمل في ذلك ملائكته المقربين فحملهم ذلك على الإخلاص في الطاعات فرفع لهم الدرجات في روضات الجنات.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣١٤
﴿تحيتهم﴾ أي : المؤمنين ﴿يوم يلقونه﴾ أي : يرون الله تعالى ﴿سلام﴾ أي : يسلم الله تعالى عليهم ويسلمهم من جميع الآفات، وروي عن البراء بن عازب قال :﴿تحيتهم يوم يلقونه سلام﴾ يعني يلقون ملك الموت فلا يقبض روح مؤمن إلا يسلم عليه، وعن ابن مسعود قال : إذا جاء ملك
٣٢١
الموت ليقبض روح المؤمن قال : ربك يقرئك السلام، وقيل : تسلم عليهم الملائكة وتبشرهم حين يخرجون من قبورهم ﴿وأعد﴾ أي : والحال أنه أعد ﴿لهم﴾ أي : بعد السلامة الدائمة ﴿أجراً كريماً﴾ هو الجنة، وتقدم ذكر الكريم في الرزق، فإن قيل : الإعداد إنما يكون ممن لا يقدر عند الحاجة إلى الشيء عليه، وأما الله تعالى فغير محتاج ولا عاجز، فحيث يلقاه يؤتيه ما يرضى به وزيادة، فما معنى الإعداد من قبل ؟
أجيب : بأن الإعداد للإكرام لا للحاجة. قال البيضاوي : ولعل اختلاف النظم لمحافظة الفواصل والمبالغة فيما هو أهم.
﴿يا أيها النبي﴾ أي : الذي نخبره بما لا يطلع عليه غيره ﴿إن أرسلناك﴾ أي : بعظمتنا إلى سائر خلقنا ﴿شاهداً﴾ أي : عليهم بتصديقهم وتكذيبهم ونجاتهم وضلالتهم، وشاهداً للرسل بالتبليغ، وهو حال مقدرة أو مقارنة لقرب الزمان ﴿ومبشراً﴾ أي : لمن آمن بالجنة ﴿ونذيراً﴾ أي : لمن كذب بالنار.
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٢١
وداعياً إلى الله﴾ أي : إلى توحيده وطاعته، وقوله تعالى :﴿بإذنه﴾ حال أي : متلبساً بتسهيله، ولا يريد حقيقة الإذن ؛ لأنه مستفاد من أرسلناك ﴿وسراجاً﴾ أي : مثله في الاهتداء به يمد البصائر فيجلي ظلمات الجهل بالعلم للمبصر لمواقع الزلل كما يمد النور الحسي نور الإبصار ﴿منيراً﴾ أي : نيراً على من اتبعه فيصير في أعظم ضياء، ومن تخلف عنه كان في أشد ظلام. وعبر به دون الشمس مع أن الشمس أشد إضاءة من السراج ؛ لأن نور الشمس لا يؤخذ منه شيء، والسراج يؤخذ منه أنوار كثيرة، إذا انطفأ الأول يبقى الذي أخذ منه، وكذلك إن غاب النبي ﷺ كان كل صحابي سراجاً يؤخذ منه نور الهداية كما قال ﷺ "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم".
قال ابن عادل : وفي هذا الخبر لطيفة : وهي أن النبي ﷺ لم يجعل أصحابه كالسرج وجعلهم كالنجوم، لأن النجم لا يؤخذ منه نور بل له في نفسه نور إذا غرب لا يبقى نور يستفاد منه، فكذلك الصحابي إذا مات فالتابعي يستنير بنور النبي ﷺ فلا يؤخذ إلا قول النبي ﷺ وفعله، فأنوار المجتهدين كلهم من النبي ﷺ ولو جعلهم كالسرج والنبي ﷺ كان سراجاً كان للمجتهد أن يستنير بمن أراد منهم ويأخذ النور ممن اختار وليس كذلك، فإن مع نص النبي ﷺ لا يعمل بقول الصحابي، بل يؤخذ النور من النبي ﷺ ولا يؤخذ من الصحابي فلم يجعله سراجاً.
تنبيه : جوز الفراء أن يكون الأصل وتالياً سراجاً، ويعني بالسراج : القرآن، وعلى هذا فيكون من عطف الصفات وهي الذات واحدة ؛ لأن التالي هو المرسل. وقوله تعالى :
﴿وبشر المؤمنين﴾ عطف على محذوف، مثل فراقب أحوال أمتك. ولم يقل أنذر المعرضين إشارة للكرم. وقوله تعالى :﴿بأن لهم من الله فضلاً كبيراً﴾ كقوله تعالى ﴿أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً﴾ (الأحزاب : ٣٥)
والعظيم والكبير متقاربان.
ولما أمره سبحانه وتعالى بما يسر نهاه عما يضر بقوله تعالى :
﴿ولا تطع الكافرين والمنافقين﴾ أي : لا تترك إبلاغ شيء مما أنزلت إليك من الإنذار وغيره كراهة لشيء من مقالهم وأفعالهم في أمر زينب وغيرها، فإنك نذير لهم، وزاد على ما في أول السورة محط الفائدة في قوله
٣٢٢
مصرحاً بما اقتضاه ما قبله ﴿ودع﴾ أي : اترك على حالة حسنة لك وأمر جميل بك ﴿أذاهم﴾ فلا تحسب له حساباً أصلاً، واصبر عليه فإن الله تعالى دافع عنك لأنك داع بإذنه ﴿وتوكل على الله﴾ أي : الملك الأعلى ﴿وكفى بالله﴾ أي : الذي له الإحاطة الكاملة ﴿وكيلاً﴾ أي : حافظاً. قال البغوي : وهذا منسوخ بآية القتال.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٢١