واختلف في المتعة هل هي واجبة، أو مندوبة ؟
وهي عندنا : واجبة بشروط وقد تقدم، والكلام عليها عند قوله تعالى :﴿فتعالين أمتعكن﴾ وعند بعض الأئمة أنها مندوبة، وقال بعضهم : هي مندوبة عند استحقاقها نصف المهر، واجبة عند عدمه، وذهب بعضهم إلى أنها تستحق المتعة بكل حال لظاهر الآية ﴿وسرحوهن سراحاً جميلاً﴾ أي : خلوا سبيلهن بالمعروف من غير ضرار، وليس لكم عليهن عدة، وقيل : السراح الجميل أن لا يطالب بما دفعه إليها بأن يخلي لها جميع المهر وقوله تعالى :
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٢١
يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن﴾ أي : مهورهن ؛ لأن المهر أجر على البضع بيان لإيثار الأفضل له لا لتوقف الحل عليه، وليفيد إحلال المملوكة بكونها مسببة بقوله تعالى :﴿وما ملكت يمينك مما أفاء الله﴾ أي : الذي له الأمر كله ﴿عليك﴾ مثل صفية بنت حيي النضيرية، وريحانة القرظية، وجويرية بنت الحارث الخزاعية، مما كن في أيدي الكفار، وتقييد الأقارب بكونهن مهاجرات معه في قوله تعالى ﴿وبنات عمك﴾ أي : الشقيق وغيره ﴿وبنات عماتك﴾ أي : نساء قريش، ولما بدأ بالعمومة لشرفها أتبعها قوله تعالى :﴿وبنات خالك﴾ جارياً في الإفراد والجمع على ذلك النحو ﴿وبنات خالاتك﴾ من نساء بني زهرة، وقال البقاعي : ويمكن في ذلك احتباك عجيب وهو بنات عمك، وبنات أعمامك، وبنات عماتك، وبنات عمتك، وبنات خالك، وبنات أخوالك، وبنات خالتك انتهى. وقوله تعالى :﴿اللاتي هاجرن معك﴾ يحتمل تقييد الحل بذلك في حقه خاصة.
ويعضده ما روى الترمذي والحاكم عن أم هانئ بنت أبي طالب أنها قالت في خطبة رسول الله ﷺ "فاعتذرت إليه فعذرني ثم أنزل الله تعالى ﴿إنا أحللنا لك أزواجك﴾ الآية فلم أكن لأحل له لأني لم أهاجر، كنت من الطلقاء أي : الأسراء الذين أطلقوا من الأسر، وخلى سبيلهم" قال
٣٢٤
ابن عادل : ثم نسخ شرط الهجرة في التحليل انتهى. ثم إن الله تعالى ذكر ما خص به نبيه ﷺ بقوله تعالى :﴿وامرأة﴾ أي : حرة ﴿مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي﴾ أي : الذي أعلينا قدره بما خصصناه به ﴿أي : يستنكحها﴾ أي : يوجد نكاحه لها بجعلها من منكوحاته فتصير له بمجرد ذلك بلا مهر ولا ولي ولا شهود، وخرج بالمؤمنة الكتابية فلا تحل له ؛ لأنها تكره صحبته، ولأنه أشرف من أن يضع ماءه في رحم كافرة ولقوله تعالى :﴿وأزواجه أمهاتهم﴾ (الأحزاب : ٦)
ولا يجوز أن تكون المشركة أم المؤمنين، ولخبر :"سألت ربي أن لا أزوج إلا من كان معي في الجنة فأعطاني" رواه الحاكم وصحح إسناده، وأما التسري بالكتابية فلا يحرم عليه، قال الماوردي : لأنه ﷺ تسرى بريحانة وكانت يهودية من بني قريظة"، واستشكل بهذا تعليلهم السابق بأنه أشرف من أن يضع ماءه في رحم كافرة، وأجيب : بأن القصد بالنكاح أصالة التوالد فاحتيط له، وبأنه يلزم فيه أن تكون الزوجة المشركة أم المؤمنين بخلاف الملك فيها، وخرج بالحرة الرقيقة وإن كانت مؤمنة لأن نكاحها معتبر بخوف العنت وهو معصوم، وبفقدان مهر حرة، ونكاحه غني عن المهر ابتداءً وانتهاءً، وبرِقِّ الولد ومنصبه ﷺ منزه عنه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٢١
تنبيه : في نصب امرأة وجهان : أحدهما : أنه عطف على مفعول أحللنا أي : وأحللنا لك امرأة موصوفة بهذين الشرطين. قال أبو البقاء : وقد رد هذا قوم وقالوا : أحللنا ماض، وإن وهبت وهو صفة المرأة مستقبل، فأحللنا في موضع جوابه، وجواب الشرط لا يكون ماضياً في المعنى، قال : وهذا ليس بصحيح لأن معنى الإحلال ههنا : الإعلام بالحل إذا وقع الفعل على ذلك كما تقول : أبحت لك أن تكلم فلاناً إن سلم عليك.
والثاني : أنه نصب بمقدر تقديره ونحل لك امرأة، وفي قول الله تعالى :﴿إن وهبت﴾ إن أراد اعتراض الشرط على الشرط، والثاني : هو قيد في الأول ولذلك تعربه حالاً ؛ لأن الحال قيد، ولهذا اشترط الفقهاء أن يتقدم الثاني على الأول في الوجود، فلو قال لزوجته : إن أكلت إن ركبت فأنت طالق فلا بُدَّ أن يتقدم الركوب على الأكل وهذا لتحقيق الحالية والتقييد كما ذكر، إذ لو لم يتقدم لخلا جزء من الأكل غير مقيد بركوب، فلهذا اشترط تقدم الثاني، ولكن يشترط أن لا يكون ثم قرينة تمنع من تقدم الثاني على الأول كقوله لامرأة : إن تزوجتك إن طلقتك فعبدي حر لا يتصور هنا تقدم الطلاق على التزوج، قال بعض المفسرين :