وينعقد نكاحه محرماً وبلفظ الهبة إيجاباً لا قبولاً، بل يجب لفظ النكاح أو التزويج لظاهر قوله تعالى :﴿إن أراد النبي أن يستنكحها﴾ ولا مهر للواهبة له وإن دخل بها، وتجب إجابته على امرأة رغب فيها، ويجب على زوجها طلاقها لينكحها.
النوع الرابع : الفضائل : وهي كثيرة لا تدخل تحت الحصر منها : تحريم منكوحاته على غيره سواء كن موطوآت أم لا، مطلقات باختيارهن أم لا، وتحريم سراريه وهن إماؤه الموطوآت بخلاف غير الموطوآت، وتقدم أن نساءه أمهات المؤمنين لا المؤمنات بخلافه ﷺ فإنه أبو الرجال والنساء، وتقدم الكلام على قوله تعالى :﴿ما كان محمد أبا أحد من رجالكم﴾ (الأحزاب : ٤٠)
وإن ثوابهن وعقابهن مضاعف.
ومنها أنه يحرم سؤالهن إلا من وراء حجاب، وأفضلهن خديجة ثم عائشة، وأفضل نساء العالمين مريم بنت عمران إذ قيل بنبوتها، ثم فاطمة بنت رسول الله ﷺ ثم خديجة، ثم عائشة، ثم آسية امرأة فرعون، وأما خبر الطبراني : خير نساء العالمين مريم بنت عمران، ثم خديجة بنت خويلد، ثم فاطمة بنت محمد ﷺ ثم آسية امرأة فرعون فأجيب عنه : بأن خديجة إنما فضلت فاطمة باعتبار الأمومة لا باعتبار السيادة، وتقدم أنه ﷺ خاتم النبيين.
ومنها : أنه أول النبيين خلقاً وأفضل الخلق على الإطلاق، وخص بتقديم نبوته فكان نبياً وآدم منجدل في طينته، وبتقديم أخذ الميثاق عليه، وبأنه أول من قال : بلى وقت ﴿ألست بربكم﴾ وبخلق آدم وجميع المخلوقات من أجله، وبكتابة اسمه الشريف على العرش والسماوات والجنات وسائر ما في الملكوت، وبشق صدره الشريف، وبجعل خاتم النبوة بظهره بإزاء قلبه، وبحراسة السماء من استراق السمع والرمي بالشهب، وبإحياء أبويه حتى آمنا به، وبأنه أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة، وأول من يقرع باب الجنة، وأول شافع وأول مشفع، وأكرم بالشفاعات الخمس يوم القيامة :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٢١
أولها : العظمى في الفصل بين أهل الموقف حين يفزعون إليه بعد الأنبياء.
الثانية : في إدخال خلق الجنة بغير حساب جعلنا الله وأحبابنا منهم.
الثالثة : في ناس استحقوا دخول النار فلا يدخلونها.
الرابعة : في ناس دخلوا النار فيخرجون منها.
الخامسة : في رفع درجات ناس في الجنة وكلها ثبتت بالأخبار، وخص منها بالعظمى ودخول خلق من أمته الجنة بغير حساب وهي الثانية. قال النووي في روضته : ويجوز أن يكون خص بالثالثة والخامسة أيضاً، ونصر بالرعب مسيرة شهر، وجعلت له الأرض مسجداً وترابها طهوراً، وأحلت له الغنائم، وأرسل إلى الكافة ورسالة غيره خاصة، وأما عموم رسالة نوح عليه السلام بعد الطوفان فلانحصار الباقين فيمن كان معه في السفينة وهو أكثر الأنبياء أتباعاً، وأمته خير الأمم وأفضلها أصحابه، وأفضلهم الخلفاء الأربعة على ترتيبهم في الخلافة، ثم باقي العشرة. وهي
٣٢٧
معصومة لا تجتمع على ضلالة، وصفوفهم كصفوف الملائكة، ولها فضائل كثيرة على سائر الأمم. منها :
أنها أول من يدخل الجنة بعد الأنبياء عليهم السلام. ومنها : وضع الإصر، وليلة القدر والجمعة ورمضان على أحد قولين، ونظر الله تعالى إليهم ومغفرته لهم أول ليلة منه، وطيب خلوف فم صائمه عنده تعالى، واستغفار الملائكة عليهم السلام في ليله ونهاره، وأمر الله تعالى الجنة أن تتزين لهم، وردِّ صدقاتهم إلى فقرائهم، والغرة والتحجيل من أثر الوضوء، وسلسلة الإسناد والحفظ عن ظهر قلب، وأخذ العلم عن الأحداث والمشايخ.
وكتابه ﷺ معجز محفوظ من التغيير والتبديل، وأقيم بعده حجة على الناس، ومعجزات سائر الأنبياء انقرضت، وشريعته مؤبدة ناسخة لغيرها من الشرائع، وتطوعه قاعداً كقائم، ويحرم رفع الصوت فوق صوته، قال القرطبي : وكره بعضهم رفعه عند قبره ﷺ ولا تبطل صلاة من خاطبه بالسلام، وتجب إجابته في الصلاة ولو بالفعل ولا تبطل، ويحرم نداؤه من وراء الحجرات، ويحرم نداؤه باسمه كيا محمد ﷺ لا بكنيته كيا أبا القاسم، ويحرم التكني بكنيته مطلقاً. وقيل : مختص بزمنه. وقيل على من اسمه محمد، وكان يتبرك ويستشفى ببوله ودمه وفضلاته النازلة من الدبر لا ترى بخلافها من القبل. والذي صوبه بعض المتأخرين طهارتها وهو الصواب، وأولاد بناته ينسبون إليه. وأعطي جوامع الكلم.
وكان يؤخذ عن الدنيا عند تلقي الوحي ولا يسقط عنه التكليف، ورؤيته في النوم حق، ولا يعمل بها فيما يتعلق بالأحكام لعدم ضبط النائم، والكذب عمداً عليه كبيرة، ولا يجوز الجنون على الأنبياء ولا الاحتلام ولا تأكل الأرض لحومهم. وفي هذا القدر كفاية. ومن أراد الزيادة على ذلك فعليه بكتب الخصائص، فإن العلماء قد صنفوا في ذلك تصانيف، وأنا أسأل الله تعالى من فضله وكرمه أن يشفعه فينا ويدخلنا معه الجنة، ويفعل ذلك بأهلينا ومشايخنا وإخواننا ومحبينا ولا يحرمنا زيارته ولا رؤيته قبل الممات.


الصفحة التالية
Icon