جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٢١
ولما كان التخصيص لا يصح ولا يتصور إلا من محيط العلم بأن هذا الأمر ما كان لغير المخصوص تام القدرة لمنع غيره من ذلك قال تعالى :﴿قد﴾ أي : أخبرناك بأن هذا أمر يخصك غيرهم لا ناقد ﴿علمنا ما فرضنا﴾ أي : قدرنا بعظمتنا ﴿عليهم﴾ أي : على المؤمنين ﴿في أزواجهم﴾ أي : من شرائط العقد، وأنهم لا تحل لهم امرأة بلفظ الهبة منها، ولا بدون مهر ولا بدون ولي وشهود، وهذا عام لجميع المؤمنين المتقدمين والمتأخرين ﴿و﴾ في ﴿ما ملكت أيمانهم﴾ من الإماء بشراء وغيره بأن تكون الأمة ممن تحل لمالكها كالكتابية بخلاف المجوسية والوثنية، وأن تستبرأ قبل الوطء، وقيل : المراد أن أحداً غيرك لا يملك رقبة بهبتها لنفسها منه فيكون أحق من سيدها.
ولما فرغ من تعليل الدونية علل التخصيص لفاً ونشراً مشوشاً بقوله تعالى :﴿لكي لا يكون عليك حرج﴾ أي : ضيق في شيء من أمر النساء حيث أحللنا لك أنواع المنكوحات وزدناك الواهبة، فلكيلا متعلق بخالصة وما بينهما اعتراض، ومن دون متعلق بخالصة كما تقول خلص من كذا ﴿وكان الله﴾ أي : المتصف بصفات الكمال أزلاً وأبداً ﴿غفوراً رحيماً﴾ أي : بليغ الستر على عباده.
٣٢٨
ولما ذكر تعالى ما فرض في الأزواج والإماء الشامل للعدل في عشرتهن وكان ﷺ أعدل الناس فيهما وأشدهم لله خشية، وكان يعدل بينهن ويعتذر مع ذلك عن ميل القلب الذي هو خارج عن طوق البشر بقوله :"اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك" خفف عنه سبحانه وتعالى بقوله :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٢١
﴿ترجي﴾ أي : تؤخر وتترك مصاحبتها ﴿من تشاء منهن وتؤوي﴾ أي : تضم ﴿إليك من تشاء﴾ وتضاجعها، وقرأ نافع وحفص وحمزة والكسائي بياء ساكنة بعد الجيم من الإرجاء أي : تؤخرها مع أفعال تكون بها راجية لعطفك، والباقون بهمزة مضمومة وهو مطلق التأخير ﴿ومن ابتغيت﴾ أي : طلبت ﴿ممن عزلت﴾ أي : من القسمة ﴿فلا جناج عليك﴾ أي : في وطئها وضمها إليك.
تنبيه : اختلف المفسرون في معنى هذه الآية : فأشهر الأقوال أنها في القسم بينهن، وذلك أن التسوية بينهن في القسم كانت واجبة عليه، فلما نزلت هذه الآية سقط عنه وصار الاختيار إليه فيهن. وقال ابن زيد : نزلت هذه الآية حين غار بعض أمهات المؤمنين على النبي ﷺ وطلب بعضهن زيادة في النفقة فهجرهن النبي ﷺ شهراً حتى نزلت آية التخيير، فأمره الله عز وجل أن يخيرهن بين الدنيا والآخرة وأن يخلي سبيل من اختارت الدنيا، ويمسك من اختارت الله ورسوله على أنهن أمهات المؤمنين، وأن لا ينكحن أبداً، وعلى أن يؤوي إليه من يشاء ويرجي من يشاء فيرضين، قسم لهن أو لم يقسم قسم، لبعضهن دون بعض، أو فضل بعضهن في النفقة والقسمة فيكون الأمر في ذلك إليه يفعل كيف يشاء، وكان ذلك من خصائصه فرضين بذلك واخترنه على هذا الشرط، وذلك ؛ لأن النبي ﷺ بالنسبة إلى أمته نسبة السيد المطاع. والرجل وإن لم يكن نبياً فالزوجة في ملك نكاحه، والنكاح عليها رق، فكيف زوجات النبي ﷺ بالنسبة إليه، فإذا هن كالمملوكات له ولا يجب لقسم بين المملوكات.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٢٩
واختلفوا هل أخرج أحداً منهن عن القسم ؟
فقال بعضهم : لم يخرج أحداً منهن عن القسم بل :"كان رسول الله ﷺ مع ما جعل الله له من ذلك يسوى بينهن في القسم، إلا سودة فإنها رضيت بترك حقها من القسم، وجعلت يومها لعائشة" وقيل : أخرج بعضهن.
روى جرير عن منصور عن أبي رزين قال : لما نزلت آية التخيير أشفقن أن يطلقهن فقلن يا رسول الله : اجعل لنا من مالك ونفسك ما شئت ودعنا على حالنا فنزلت هذه الآية فأرجأ رسول الله ﷺ بعضهن، وآوى إليه بعضهن، فكان ممن أوى : عائشة وحفصة وزينب وأم سلمة، وكان يقسم بينهن سواء، وأرجأ منهن خمساً : أم حبيبة وميمونة وسودة وصفية وجويرية، فكان لا يقسم لهن ما شاء، وقال مجاهد :﴿ترجي من تشاء منهن﴾ أي : تعزل من تشاء منهن بغير طلاق، وترد إليك من تشاء بعد العزل بلا تجديد عقد، وقال ابن عباس : تطلق من تشاء منهن وتمسك من تشاء.
وقال الحسن : تترك نكاح من شئت من نساء أمتك. قال : وكان النبي ﷺ إذا خطب امرأة لم يكن لغيره خطبتها حتى يتركها رسول الله ﷺ وقيل : تقبل من تشاء من المؤمنات اللاتي يهبن
٣٢٩


الصفحة التالية
Icon