تنبيه : قال أكثر المفسرين : نزلت هذه الآية في شأن وليمة زينب حين بنى بها رسول الله ﷺ لما روى ابن شهاب قال : أخبرني أنس بن مالك :"أنه كان ابن عشر سنين فقدم رسول الله ﷺ المدينة قال : فكانت أمهاتي توطنني على خدمة النبي ﷺ فخدمته عشر سنين وتوفي وأنا ابن عشرين سنة، فكنت أعلم الناس بشأن الحجاب حين أنزل، وكان أول ما أنزل في بناء رسول الله ﷺ بزينب بنت جحش أصبح النبي ﷺ بها عروساً فدعا القوم وأصابوا من الطعام ثم خرجوا، وبقي رهط منهم عند النبي ﷺ فأطالوا المكث فقام النبي ﷺ فخرج وخرجت معه لكي يخرجوا فمشى النبي ﷺ ومشيت حتى جاء عتبة حجرة عائشة رضي الله تعالى عنها، ثم ظن أنهم قد خرجوا فرجع ورجعت معه حتى إذا دخل على زينب فإذا هم جلوس لم يخرجوا فرجع النبي ﷺ ورجعت معه حتى إذا بلغ حجرة عائشة فظن أنهم قد خرجوا، فرجع ورجعت معه فإذا هم قد خرجوا فضرب النبي ﷺ بيني وبينه الستر ونزلت آية الحجاب، وقال أبو عثمان : واسمه الجعد عن أنس قال : فدخل يعني رسول الله ﷺ البيت وأرخى الستر وإني لفي الحجرة وهو يقول ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم﴾ إلى قوله تعالى ﴿والله لا يستحيي من الحق﴾.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٢٩
وروي عن ابن عباس :"أنها نزلت في ناس من المسلمين كانوا يتحينون طعام رسول الله ﷺ فيدخلون عليه قبل الطعام إلى أن يدرك ثم يأكلون ولا يخرجون، وكان رسول الله ﷺ يتأذى بهم
٣٣٢
فنزلت الآية ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي﴾ الآية.
وروى أبو يعلى الموصلي عن أنس قال :"بعثتني أم سليم برطب إلى رسول الله ﷺ فوضعته بين يديه فأصاب منه ثم أخذ بيدي فخرجنا، وكان حديث عهد بعرس زينب بنت جحش قال : فمر بنساء من نسائه وعندهن رجال يتحدثون فهنينه وهناه الناس فقالوا : الحمد لله أقر بعينك يا رسول الله فمضى حتى أتى عائشة فإذا عندها رجال قال : فكره ذلك، وكان إذا كره الشيء عرف في وجهه قال : فأتيت أم سليم فأخبرتها فقال أبو طلحة : لئن كان كما قال ابنك ليحدثن أمر قال : فلما كان من العشي خرج رسول الله ﷺ فصعد المنبر ثم تلا هذه الآية ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا﴾ الآية.
وروى البخاري وغيره عنه قال :"كان النبي ﷺ عروساً بزينب فقالت لي أم سليم : لو أهديت للنبي ﷺ هدية فقلت لها : افعلي فعمدت إلى تمر وأقط وسمن فاتخذت حيسة في برمة وأرسلت بها معي إليه فقال لي : ضعها ثم أمرني فقال : ادع لي رجالاً سماهم، وادع لي من لقيت ففعلت الذي أمرني فرجعت فإذا البيت غاص بأهله" وفي رواية الترمذي أن الراوي قال : قلت لأنس : كم كانوا قال : زهاء ثلثمائة فرأيت النبي ﷺ وضع يده على تلك الحيسة وتكلم بما شاء الله تعالى، ثم يدعو عشرة عشرة يأكلون منه ويقول لهم : اذكروا اسم الله تعالى وليأكل كل رجل مما يليه حتى تصدّعوا كلهم عنها، قال الترمذي : فقال لي : يا أنس ارفع فرفعت فما أدري حين وضعت كانت أكثر أو حين رفعت فخرج معي من خرج وبقي قوم يتحدثون فنزلت.
ولما كان البيت يطلق على المرأة لملازمتها له عادة أعاد الضمير عليه مراداً به النساء استخداماً فقال تعالى :﴿وإذا سألتموهن﴾ أي : الأزواج ﴿متاعاً﴾ أي : شيئاً من آلات البيت ﴿فاسألوهن﴾ أي : ذلك المتاع كائنين وكائنات ﴿من وراء حجاب﴾ أي : ستر يستركم عنهن ويسترهن عنكم، وقرأ ابن كثير والكسائي بفتح السين ولا همزة بعدها والباقون بسكون السين وهمزة مفتوحة بعدها ﴿ذلكم﴾ أي : الأمر العالي الرتبة ﴿أطهر لقلوبكم وقلوبهن﴾ أي : من وسواس الشيطان والريب لأن العين وزيرة القلب فإذا لم تر العين لم يشته القلب، فأما إذا رأت العين فقد يشتهي القلب وقد لا يشتهي، فالقلب عند عدم الرؤية أطهر وعدم الفتنة حينئذ أظهر. روى ابن شهاب عن عروة عن عائشة :"أن أزواج النبي ﷺ كن يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصع وهو صعيد أفيح فكان عمر رضي الله تعالى عنه يقول للنبي ﷺ احجب نساءك فلم يكن رسول الله ﷺ يفعل، فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي ﷺ ليلة من الليالي عشاء وكانت امرأة طويلة فناداها عمر ألا قد عرفناك يا سودة حرصاً على أن ينزل الحجاب، فأنزل الله عز وجل الحجاب"، وعن أنس قال : قال عمر : وافقت ربي في ثلاثة قلت : يا رسول الله لو اتخذت
٣٣٣
من مقام إبراهيم مصلى، فأنزل الله تعالى ﴿واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى﴾ (البقرة : ١٢٥)
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٢٩