فإن قيل : لم يذكر الله تعالى من المحارم الأعمام والأخوال فلم يقل : ولا أعمامهن ولا أخوالهن. أجيب عن ذلك بوجهين : أحدهما : أن ذلك معلوم من بني الإخوة وبني الأخوات ؛ لأن من علم أن بني الأخ للعمات محارم علم أن بنات الأخ للأعمام محارم، وكذلك الحال في أمر الخالة. وثانيهما : أن الأعمام ربما يذكرون بنات الأخ عند أبنائهم وهم غير محارم، وكذلك الحال في ابن الخال.
وذكر ملك اليمين بعد هذا كله لأن المفسدة في التكشف لهم ظاهرة وقوله تعالى ﴿واتقين﴾ عطف على محذوف أي : امتثلن ما أمرتن به واتقين ﴿الله﴾ أي : الذي لا شيء أعظم منه فلا تقربن شيئاً مما يكرهه وإنما أمرهن لأن الريبة من جهة النساء أكثر لأنه لا يكاد الرجل يتعرض إلا لمن ظن بها الإجابة لما يرى من مخايلها ومخايل أشكالها.
ولما كان الخوف لا يعظم إلا ممن كان حاضراً مطلعاً قال :﴿إن الله﴾ أي : العظيم الشأن ﴿كان﴾ أي : أزلاً وأبداً ﴿على كل شيء﴾ من أفعالكن وغيرها ﴿شهيداً﴾ أي : لا يغيب عنه شيء وإن دق فهو مطلع عليكن حال الخلوة فلا تخفى عليه خافية.
ولما أمر تعالى بالاستئذان وعدم النظر إلى نسائه احتراماً له كمل بيان حرمته بقوله تعالى :
﴿إن الله وملائكته يصلون على النبي﴾ أي : محمد ﷺ قال ابن عباس : أراد أن الله تعالى يرحم النبي والملائكة يدعون له، وعن ابن عباس أيضاً : يصلون يبركون والصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة الاستغفار وقال أبو العالية : صلاة الله تعالى ثناؤه عليه عند الملائكة وصلاة الملائكة الدعاء.
٣٣٥
تنبيه : بيان كمال حرمته في ذلك أن حالاته منحصرة في حالتين حالة خلوة فذكر ما يدل على احترامه في تلك الحالة بقوله تعالى :﴿لا تدخلوا بيوت النبي﴾ وحالة تكون في ملأ، والملأ إما الملأ الأعلى، وإما الملأ الأدنى أما احترامه في الملأ الأعلى، فإن الله وملائكته يصلون عليه، وأما احترامه في الملأ الأدنى فقوله تعالى :﴿يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه﴾ أي : ادعو له بالرحمة ﴿وسلموا تسليماً﴾ أي : حيوه بتحية الإسلام وأظهروا شرفه بكل ما تصل قدرتكم إليه من حسن متابعته وكثرة الثناء الحسن عليه والانقياد لأمره في كل ما يأمر به، ومنه الصلاة والسلام عليه بألسنتكم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٣٤
روى عبد الرحمن بن أبي ليلى لقيني كعب بن عجرة فقال : ألا أهدي لك هدية سمعتها من رسول الله ﷺ فقلت : بلى فأهدها لي قال : قلنا يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك قال :"قولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد" وروى أبو حميد الساعدي أنهم قالوا : يا رسول الله كيف نصلي عليك فقال رسول الله ﷺ "قولوا : اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد" وروى ابن مسعود قال : قال رسول الله ﷺ "إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة"، وروى أبو هريرة أن رسول الله ﷺ قال :"من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشراً" وروى عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن رسول الله ﷺ أنه جاء ذات يوم والبشرى ترى في وجهه فقلنا : إنا لنرى البشرى في وجهك فقال :"جاءني جبريل فقال : يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول أما يرضيك أن لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشراً، ولا يسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشراً" وروى عامر بن ربيعة أنه سمع النبي ﷺ يقول :"من صلى علي صلاة صلت عليه الملائكة ما صلى علي، فليقلل العبد من ذلك أو ليكثر"، وروى أنس أن النبي ﷺ قال :"من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحطت عنه عشر خطيئات ورفعت له عشر درجات" وروى عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله ﷺ "إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام".
٣٣٦


الصفحة التالية
Icon