تنبيه : دلت الآية على وجوب الصلاة على النبي ﷺ لأن الأمر للوجوب قالوا : وقد أجمع العلماء أنها لا تجب في غير الصلاة فتعين وجوبها فيها والمناسب لها من الصلاة التشهد آخرها فتجب في التشهد آخر الصلاة أي : بعده وهو مذهب الشافعي، وإحدى الروايتين عن أحمد فالقائل بوجوبها في العمر مرة في غيرها محجوج بإجماع من قبله، ولحديث كيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا فقال :"قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إلى آخره" وقيل : تجب كلما ذكر، واختاره الطحاوي من الحنفية والحليمي من الشافعية لقول جابر :"إن النبي ﷺ رقى المنبر فلما رقى الدرجة الأولى قال : آمين، ثم رقى الثانية فقال : آمين ثم رقى الثالثة فقال : آمين فقالوا : يا رسول الله سمعناك تقول : آمين ثلاث مرات فقال : لما رقيت الدرجة الأولى جاءني جبريل فقال : شقي عبد أدرك رمضان فانسلخ منه ولم يغفر له فقلت : آمين، ثم قال : شقي عبد أدرك والديه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة فقلت : آمين، ثم قال : شقي عبد ذكرت عنده ولم يصل عليك فقلت : آمين"، وفي رواية رقي المنبر فقال : آمين آمين آمين قيل : يا رسول الله ما كنت تصنع هذا فقال : قال لي جبريل : رغم أنف رجل أدرك والديه أو أحدهما لم يدخلاه الجنة فقلت : آمين، ثم قال رغم أنف عبد دخل عليه رمضان لم يغفر له فقلت : آمين، ثم قال : رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك فقلت : آمين"، وكذلك قوله :﴿وسلموا﴾ أمر فيجب السلام ولم يجب في غير الصلاة فيجب فيها وهو قولنا في التشهد سلام عليك أيها النبي إلخ، وذكر في السلام المصدر للتأكيد ولم يذكره في الصلاة لأنها كانت مؤكدة بقوله تعالى :﴿إن الله وملائكته يصلون على النبي﴾ وأقل الصلاة عليه اللهم صل على محمد، وأكملها اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وآل إبراهيم إسماعيل وإسحاق وأولادهما.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٣٤
فائدة : كل الأنبياء من بعد إبراهيم عليه السلام من ولده إسحاق إلا نبينا محمداً ﷺ فإنه من نسل إسماعيل، ولم يكن من نسله نبي غيره وخص إبراهيم عليه السلام بالذكر لأن الرحمة والبركة لم يجتمعا لنبي غيره فقال الله تعالى :﴿رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت﴾ (هود : ٧٣)
فإن قيل : إذا صلى الله وملائكته عليه فأي حاجة به إلى صلاتنا ؟
أجيب : بأن الصلاة عليه ليست لحاجة إليها وإلا فلا حاجة إلى صلاة الملائكة مع صلاة الله تعالى عليه وإنما هو إظهاره وتعظيمه منا شفقة علينا ليثيبنا عليه، ولهذا قال رسول الله ﷺ "من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشراً"، وفي رواية أخرى : وملائكته سبعين، وتجوز الصلاة على غيره تبعاً له وتكره استقلالاً لأنه في العرف صار شعاراً لذكر الرسل ولذلك كره أن يقال لمحمد عز وجل، وإن كان عزيزاً جليلاً.
٣٣٧
ولما أمر الله تعالى باحترام نبيه محمد ﷺ نهى عن إيذاء نفسه وإيذاء رسوله بقوله تعالى :
﴿إن الذين يؤذون الله﴾ أي : الذي لا أعظم منه ولا نعمة عندهم إلا من فضله ﴿ورسوله﴾ أي : الذي استحق عليهم بما يخبرهم به عن الله تعالى ما لا يقدرون على القيام بشكره ﴿لعنهم الله﴾ أي : أبعدهم وأبغضهم ﴿في الدنيا﴾ بالحمل على ما يوجب السخط ﴿والآخرة﴾ بإدخال دار الإهانة كما قال تعالى :﴿وأعد لهم عذاباً مهيناً﴾ (الأحزاب : ٥٧)
أي : ذا إهانة، وهو النار ومعنى يؤذون الله يقولون فيه ما صورته أذى وإن كان تعالى لا يلحقه ضرر، ذلك، حيث وصفوه بما لا يليق بجلاله من اتخاذ الأنداد ونسبة الولد والزوجة إليه.