قال ابن عباس : هم اليهود والنصارى والمشركون، فأما اليهود فقالوا : عزير ابن الله، وقالوا : يد الله مغلولة وقالوا : إن الله فقير ونحن أغنياء، وأما النصارى فقالوا : المسيح ابن الله وثالث ثلاثة، وأما المشركون فقالوا : الملائكة بنات الله، والأصنام شركاؤه، وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ يقول الله عز وجل :"كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله : لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله : اتخذ الله ولداً وأنا الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد"، وعن أبي هريرة أيضاً عن النبي ﷺ قال : قال الله تعالى :"يؤذيني ابن آدم بسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار" معنى الحديث : أنه كان من عادة العرب في الجاهلية أن يسبوا الدهر ويذموه عند النوازل لاعتقادهم أن الذي يصيبهم من أفعال الدهر فقال تعالى : أنا الدهر أي : الذي أحل بهم النوازل وأنا فاعل لذلك الذي تنسبونه للدهر في زعمكم وقيل : معنى يؤذون الله يلحدون في أسمائه وصفاته وقيل : هم أصحاب التصاوير، وعن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول :"قال الله عز وجل ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فيخلقوا ذرة وليخلقوا حبة أو شعيرة"، ويحتمل أن يكون ذلك على حذف مضاف أي : أولياء الله كقوله تعالى :﴿واسأل القرية﴾ (يوسف، ٨٢) قال ﷺ قال الله تعالى :"من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب" وقال :"من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة" ومعنى الأذى : هو مخالفة أمر الله وارتكاب معاصيه ذكره على ما يتعارفه الناس بينهم، والله عز وجل منزه عن أن يلحقه أذى من أحد قال بعضهم : أتي بالجلالة تعظيماً والمراد : يؤذون رسول الله ﷺ كقوله تعالى :﴿إنما يبايعون الله﴾ (الفتح : ١٠)
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٣٤
وأما إيذاء الرسول ﷺ فقال ابن عباس : إنه شج في وجهه، وكسرت رباعيته وقيل : ساحر شاعر مجنون.
ولما كان من أعظم أذاه أذى من تابعه، وكان الأتباع لكونهم غير معصومين يتصور أن يؤذوا
٣٣٨
على الحق قال تعالى مقيداً للكلام :
﴿والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات﴾ أي : الراسخين في صفة الإيمان ﴿بغير ما اكتسبوا﴾ أي : بغير شيء واقعوه متعمدين له حتى أباح أذاهم ﴿فقد احتملوا﴾ أي : كلفوا أنفسهم أن حملوا ﴿بهتاناً﴾ أي : كذباً وفجوراً زائداً على الحد موجباً للجزاء في الدنيا والآخرة ﴿وإثماً مبيناً﴾ أي : ذنباً ظاهراً جداً موجباً للعقاب في الآخرة.
تنبيه : اختلفوا في سبب نزول هذه الآية فقال مقاتل : نزلت في علي بن أبي طالب كانوا يؤذونه ويسمعونه، وقيل : نزلت في شأن عائشة وقال الضحاك والكلبي : نزلت في الزناة الذين كانوا يمشون في طريق المدينة يبتغون النساء إذا برزن بالليل لقضاء حوائجهن فيغمزون المرأة، فإن سكتت اتبعوها وإن زجرتهم انتهوا عنها، ولم يكونوا يطلبون إلا الإماء ولكن كانوا لا يعرفون الحرة من الأمة لأن زي الكل كان واحداً، يخرجن في درع وخمار الحرة والأمة، فشكوا ذلك إلى أزواجهن فذكروا ذلك لرسول الله ﷺ فنزلت هذه الآية ﴿والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات﴾ الآية.
ثم نهى الحرائر أن يشتبهن بالإماء بقوله تعالى :
﴿يا أيها النبي﴾ ذكره بالوصف الذي هو منبع المعرفة والحكمة ﴿قل لأزواجك﴾ بدأ بهن لما لهن به من الوصلة بالنكاح ﴿وبناتك﴾ ثنى بهن لما لهن من الوصلة، ولهن من القسمين من الشرف وآخرهن عن الأزواج لأن أزواجه يكفونه أمرهن ﴿ونساء المؤمنين يدنين﴾ أي : يقربن ﴿عليهن﴾ أي : على وجوههن وجميع أبدانهن فلا يدعن شيئاً منها مكشوفاً ﴿من جلابيبهن﴾ ولا يتشبهن بالإماء في لباسهن إذا خرجن لحاجتهن بكشف الشعور ونحوها ظناً أن ذلك أخفى لهن وأستر، والجلباب والقميص وثوب واسع دون الملحفة تلبسه المرأة، والملحفة : ما ستر اللباس، والخمار : وهو كل ما غطى الرأس وقال البغوي : الجلباب الملاءة التي تشتمل بها المرأة فوق الدرع والخمار، وقال حمزة الكرماني، قال الخليل : كل ما يستر به من دثار وشعار وكساء فهو جلباب والكل تصح إرادته هنا، فإن كان المراد القميص فإدناؤه إسباغه حتى يغطي بدنها ورجليها، وإن كان يغطي الرأس فإدناؤه ستر وجهها وعنقها، وإن كان المراد ما يغطي الثياب فإدناؤه تطويله وتوسيعه بحيث يستر جميع بدنها وثيابها، وإن كان المراد ما دون الملحفة فالمراد ستر الوجه واليدين وقال ابن عباس وعبيدة : أمر نساء المؤمنين أن يغطين رؤوسهن ووجوههن بالجلابيب إلا عيناً واحدة ليعلم أنهن حرائر.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٣٤


الصفحة التالية
Icon