﴿يوم﴾ معمول لخالدين أي : مقدراً خلودهم فيها على تلك الحال يوم ﴿تقلب﴾ أي : تقلباً كثيراً ﴿وجوههم في النار﴾ أي : ظهراً لبطن كاللحم يشوى بالنار حالة كونهم ﴿يقولون﴾ وهم في محل الجزاء وقد فات المحل القابل للعمل متمنين بقولهم :﴿يا ليتنا أطعنا﴾ أي : في الدنيا ﴿الله﴾ أي : الذي لا أمر لأحد معه لما لا يدركون تلافيه لأنهم لا يجدون ما يقدّر أنه يبرد غلتهم من ولي ولا نصير ولا غيرهما سوى هذا التمني.
ولما كان المقام للمبالغة في الإذعان والخضوع أعادوا العامل بقولهم ﴿وأطعنا الرسول﴾ أي : الذي بلغنا عنه حتى لا نبتلي بهذا العذاب.
تنبيه : تقدم الكلام على القراءة في ﴿الرسولا﴾ و﴿السبيلا﴾ أول السورة عند ﴿الظنونا﴾.
﴿وقالوا﴾ : أي : الأتباع منهم لما لم ينفعهم شيء متبرئين بالدعاء على من أضلهم بما لا يبرئ عليلاً ولا يشفي غليلاً ﴿ربنا﴾ أي : أيها المحسن إلينا وأسقطوا أداة النداء على عادة أهل الخصوص بالحضور زيادة في التوثيق بإظهار أنه لا واسطة لهم إلا ذلهم وانكسارهم ﴿إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا﴾ يعنون قادتهم الذين لقنوهم الكفر، وقرأ ابن عامر بألف بعد الدال وكسر التاء على جمع الجمع للدلالة على الكثرة والباقون بغير ألف بعد الدال وفتح التاء على أنه جمع تكسير غير مجموع بألف وتاء ﴿فأضلونا﴾ أي : فتسبب عن ذلك أنهم أضلونا بما كان لهم من نفوذ الكلمة ﴿السبيلا﴾ أي : طريق الهدى فأحالوا ذلك على غيرهم كما هي عادة المخطئ من الإحالة على غيره مما لا ينفعه.
ثم كأنه قيل : فما تريدون لهم فقالوا : مبالغين في الرقة للاستعطاف بإعادة الرب.
﴿ربنا﴾ أي : المحسن إلينا ﴿آتهم ضعفين من العذاب﴾ أي : مثلي عذابنا لأنهم ضلوا وأضلوا ﴿والعنهم لعناً كبيراً﴾ أي : اطردهم عن محالّ الرحمة طرداً متناهياً، وقرأ عاصم بالباء الموحدة أي : لعناً هو أشد اللعن وأعظمه والباقون بالثاء المثلثة أي : كثير العدد.
ولما بين تعالى أن من يؤذي الله ورسوله يلعن ويعذب، أرشد المؤمنين إلى الامتناع من الإيذاء بقوله تعالى :
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٤٠
يا أيها الذين آمنوا﴾
أي : صدقوا بما يتلى عليهم ﴿لا تكونوا﴾ بإيذائكم
٣٤١
رسول الله ﷺ بأمر زينب وغيره كوناً هو كالطبع لكم ﴿كالذين آذوا موسى﴾ من قومه بني إسرائيل آذوه بأنواع الأذى كما قال نبينا ﷺ حين قسم قسماً فتكلم فيه بعضهم فقال :"لقد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر". واختلفوا فيما أوذي به موسى، فروى أبو هريرة أن رسول الله ﷺ قال :"إن موسى كان رجلاً حيياً ستيراً لا يرى من جلده شيء استحياء منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا : ما تستر هذا الستر إلا من عيب بجلده إما برص، وإما أدرة، وإما آفة، وإن الله تعالى أراد أن يبرئه مما قالوا" كما قال تعالى :﴿فبرأه﴾ أي : فتسبب عن أذاهم أن برأه ﴿الله﴾ الذي له صفات الجلال والكمال ﴿مما قالوا﴾ فخلا يوماً وحده ليغتسل فوضع ثيابه على حجر ثم اغتسل، فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها ففر الحجر بثوبه فجمح موسى عليه السلام وأخذ عصاه وطلب الحجر فجعل يقول : ثوبي حجر، ثوبي حجر حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه عرياناً أحسن ما خلق الله، وأبرأه مما يقولون وقام الحجر فأخذ ثوبه واستتر به، وطفق بالحجر يضربه بعصاه فوالله إن بالحجر لندباً من أثر ضربه ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً"، والأدرة : عظم الخصية لنفخة فيها وقوله : فجمح أي : أسرع وقوله ندباً هو بفتح النون والدال وأصله : أثر الجرح إذا لم يرتفع عن الجلد فشبه به الضرب بالحجر، وقال قوم : إيذاؤهم إياه لما مات هارون في التيه ادّعوا على موسى أنه قتله فأمر الله الملائكة عليهم السلام حتى مروا به على بني إسرائيل فعرفوا أنه لم يقتله فبرأه الله مما قالوا، وقال أبو العالية : هو أن قارون استأجر مومسة أي : زانية لتقذف موسى بنفسها على رأس الملأ فعصمها الله تعالى وبرأ موسى من ذلك، وكان ذلك سبب الخسف بقارون ومن معه وقال عبد الله بن مسعود : لما كان يوم حنين آثر رسول الله ﷺ ناساً في القسمة فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى فلاناً كذا لناس من العرب، وآثرهم في القسمة فقال رجل : هذه قسمة والله ما عدل فيها وما أريد بها وجه الله فقلت : والله لأخبرن بها رسول الله ﷺ قال : فأتيته فأخبرته بما قال فتغير وجهه حتى كان كالصرف ثم قال : فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله ثم قال :"يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر" والصرف بكسر الصاد : صبغ أحمر يصبغ به الأديم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٤٠


الصفحة التالية
Icon