جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٥٠
تنبيه : قد تقدم أن كل شيء أثبت لمن قبل نبينا ﷺ من الأنبياء عليهم السلام من الخوارق ثبت له مثله وأعظم منه إما له نفسه أو لأحد من أمته، وهذا الذي ذكر لسليمان عليه السلام من حفظه بعد موته سنة لا يميل قد ثبت مثله لشخص من هذه الأمة من غير شيء يعتمد عليه، قال القشيري في رسالته في باب أحوالهم عند الخروج من الدنيا، وقال أبو عمران الإصطخري : رأيت أبا تراب في البادية قائماً ميتاً لا يمسكه شيء انتهى.
فائدة : روي أن سليمان عليه السلام كان عمره ثلاثاً وخمسين سنة، ومدة ملكه أربعون سنة، وملك
٣٥٨
يوم ملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة وابتدأ في بناء بيت المقدس لأربع سنين مضين من ملكه، وروي أن داود عليه السلام أسس بناء بيت المقدس في موضع فسطاط موسى عليه السلام فمات قبل أن يتم فوصى به إلى سليمان عليه السلام فأمر الشياطين بإتمامه.
ولما بقي من عمله سنة سأل الله تعالى أن يعمي عليهم موته حتى يفرغوا منه، وليبطل دعواهم علم الغيب، وروي أن إفريدون جاء ليصعد كرسيه فلما دنا منه ضرب الأسدان ساقه فكسراها فلم يجسر أحد بعد يدنو منه.
ولما بين تعالى حال الشاكرين لنعمه بذكر داود وسليمان عليهما السلام، بين حال الكافرين لأنعمه بحكاية أهل سبأ فقال تعالى :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٥٠
﴿لقد كان لسبأ﴾ أي : القبيلة المشهور روى أبو سبرة النخعي عن أبي قرة بن مسيك القطيعي قال : قال رجل : يا رسول الله أخبرني عن سبأ أكان رجلاً أو امرأة أو أرضاً قال :"كان رجلاً من العرب وله عشرة من الولد تيامن منهم ستة وتشاءم منهم أربعة، فأما الذين تيامنوا فكندة والأشعريون والأزد ومذحج وأنمار وحمير فقال رجل : وما أنمار قال : الذين منهم خثعم وبجيلة، وأما الذين تشاءموا فلخم وجذام وعاملة وغسان وسبأ يجمع هذه القبائل كلها" والجمهور على
٣٥٩
أن جميع العرب ينقسمون إلى قسمين : قحطانية وعدنانية، فالقحطانية : شعبان سبأ وحضرموت، والعدنانية : شعبان : ربيعة ومضر، وأما قضاعة فمختلف فيها فبعضهم نسبها إلى قحطان، وبعضهم إلى عدنان، قيل : إن قحطان أول من قيل له أنعم صباحاً وأبيت اللعن، قال بعضهم : وجميع العرب منسوب إلى إسماعيل بن إبراهيم وليس بصحيح، فإن إسماعيل عليه السلام نشأ بين جرهم بمكة وكانوا عرباً، والصحيح أن العرب العاربة كانوا قبل إسماعيل عليه السلام منهم عاد وثمود وطسم وجديس وأهم وجرهم والعماليق يقال : إن أهماً كان ملكاً ويقال : إنه أول من سقف البيوت بالخشب المنشور، وكانت الفرس تسميه آدم الأصغر وبنوه قبيلة يقال لها وبار هلكوا بالرمل أساله الله عليهم فأهلكهم وطم مناهلهم وفي ذلك يقول بعض الشعراء :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٥٩
وكر دهر على وبار ** فهلكت عنوة وبار*
واسم سبأ : عبد شمس بن يشجب بن يعرب بن قحطان وسمي سبأ قيل : لأنه أول من سبأ في العرب قاله السهيلي، ويقال : إنه أول من تتوج، وذكر بعضهم أنه كان مسلماً وله شعر يشير فيه بوجود النبي ﷺ وقال في سليمان عليه السلام :
*سيملك بعدنا ملك عظيم ** نبي لا يرخص في الحرام*
*ويملك بعده منهم ملوك ** يدينوه القياد بكل دامي*
*ويملك بعدهم منا ملوك ** يصير الملك فينا بانقسام*
*ويملك بعد قحطان نبي ** تقي مخبت خير الأنام*
*يسمى أحمداً يا ليت أني ** أعمر بعد مبعثه بعام*
*فأعضده وأحبوه بنصري ** بكل مدجج وبكل رامي*
*متى يظهر فيكونوا ناصريه ** ومن يلقاه يبلغه سلامي*
وقرأ البزي وأبو عمرو بعد الموحدة بهمزة مفتوحة من غير تنوين لأنه صار اسم قبيلة، وقنبل بهمزة ساكنة والباقون بهمزة مكسورة منونة، وإذا وقف حمزة وهشام أبدلا الهمزة ألفاً ولهما أيضاً الروم مع التسهيل وقرأ ﴿في مساكنهم﴾ أي : التي هي في غاية الكثرة حمزة وحفص بسكون السين وفتح الكاف ولا ألف بينهما إشارة إلى أنها لشدة اتصال المنافع والمرافق كالمسكن الواحد، وقرأ الكسائي كذلك إلا أنه يكسر الكاف والباقون بفتح السين وألف بعدها وكسر الكاف إشارة إلى أنها في غاية الملائمة لهم واللين، وكانت بأرض مأرب من بلاد اليمن قال حمزة الكرماني : قال ابن عباس : على ثلاثة فراسخ من صنعاء ﴿آية﴾ أي : علامة ظاهرة على قدرتنا، ثم فسر الآية بقوله تعالى :﴿جنتان عن يمين وشمال﴾ أي : عن يمين الوادي وشماله قد أحاطت الجنتان بذلك الوادي وقيل : عن يمين من أتاهما وبشماله.