كأنه قيل : يتوقعون ويتربصون ملياً فزعين ذاهلين حتى إذا فزع عن قلوبهم أي : كشف الفزع عن قلوبهم أي : كشف الفزع عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم بكلمة يتكلم بها رب العزة في إطلاق الإذن ﴿قالوا﴾ أي : قال بعضهم لبعض ﴿ماذا قال ربكم﴾ أي : في الشفاعة ذاكرين صفة الإحسان ليرجع إليهم رجاؤهم فتسكن بذلك قلوبهم ﴿قالوا﴾ قال : القول ﴿الحق﴾ أي : الثابت الذي لا يمكن أن يبدل، بل يطابق الواقع فلا يكون شيء يخالفه وهو الإذن في الشفاعة لمن ارتضى منهم وهم المؤمنون ﴿وهو العلي الكبير﴾ أي : ذو العلو فلا رتبة إلا دون رتبته والكبرياء، فليس لملك ولا نبي أن يتكلم ذلك اليوم إلا بإذنه، روى البخاري في التفسير عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال :"إذا قضى الله الأمر في السماء صفقت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله كأنه سلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوبهم قالوا :﴿ماذا قال ربكم﴾ قالوا الحق وهو العلي الكبير فيسمعها مسترق السمع ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض وصفه سفيان بكفه فحرفها وبدد بين أصابعه فيسمع الكلمة ويلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة فيقال : أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا كذا وكذا فيصدق بتلك الكلمة التي من السماء" وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ "إذا أراد الله أن يوحي بالأمر وتكلم بالوحي أخذت السماء رجفة، أو قال : رعدة شديدة خوفاً من الله تعالى فإذا سمع بذلك أهل السموات صعقوا وخروا لله سجداً، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل عليه السلام فيكلمه الله تعالى من وحيه بما أراد، ثم يمر جبريل عليه السلام على الملائكة كلما مر بسماء سأله ملائكتها ماذا قال ربنا يا جبريل : فيقول جبريل عليه السلام ﴿قال الحق وهو العلي الكبير﴾ فيقولون كلهم مثل ما يقول جبريل عليه السلام، فينتهي جبريل عليه السلام بالوحي حيث أمره الله تعالى" وقال
٣٦٦
مقاتل والكلبي والسدي : كانت الفترة بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام خمسمائة وخمسين سنة وقيل : ستمائة سنة لم تسمع الملائكة فيها وحياً، فلما بعث الله تعالى محمداً ﷺ كلم جبريل عليه السلام بالرسالة إلى محمد ﷺ فلما سمعت الملائكة ظنوا أنها الساعة لأن محمداً ﷺ عند أهل السموات من أشراط الساعة، فصعقوا مما سمعوا خوفاً من قيام الساعة، فلما انحدر جبريل عليه السلام جعل يمر بكل سماء فيكشف عنهم فيرفعون رؤوسهم ويقول بعضهم لبعض ﴿ماذا قال ربكم قالوا الحق﴾ يعني الوحي ﴿وهو العلي الكبير﴾ وقال الحسن وابن زيد : حتى إذا كشف الفزع عن قلوب المشركين عند نزول الموت إقامة للحجة عليهم قالت لهم الملائكة عليهم السلام : ماذا قال ربكم في الدعاء قالوا : الحق فأقروا به حيث لم ينفعهم الإقرار.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٦٦
ولما سلب تعالى عن شركائهم أن يملكوا شيئاً من الأكوان، وأثبت جميع الملك له وحده، وأمر نبيه محمداً ﷺ أن يقررهم بما يلزم منه ذلك بقوله تعالى :
﴿قل من يرزقكم من السموات﴾ أي : بالمطر ﴿والأرض﴾ أي : بالنبات، وأفرد الأرض لأنهم لا يعلمون غيرها، ثم أمره تعالى أن يتولى الإجابة بقوله تعالى :﴿قل الله﴾ أي : إن لم يقولوا رازقنا الله تعالى فقل أنت : إن رازقكم الله وذلك للإشعار بأنهم يقرون به بقلوبهم إلا أنهم ربما أبوا أن يتكلموا به، لأن الذي تمكن من صدورهم من العناد وحب الشرك قد ألجم أفواههم عن النطق بالحق مع علمهم بصحته ؛ ولأنهم إن تفوهوا بأن الله تعالى رازقهم لزمهم أن يقال لهم : فما لكم لا تعبدون من يرزقكم وتؤثرون عليه من لا يقدر على الرزق، ألا ترى إلى قوله تعالى ﴿قل من يرزقكم من السماء والأرض﴾ (يونس : ٣١)
﴿أم من يملك السمع والأبصار﴾ (يونس : ٣١)
حتى قال :﴿فسيقولون الله﴾ (يونس : ٣١)
ثم قال تعالى :﴿فماذا بعد الحق إلا الضلال﴾ (يونس : ٣٢)
فكأنهم كانوا يقرون بألسنتهم مرة، ومرة يتلعثمون عناداً وفراراً وحذراً من إلزام الحجة ونحوه قوله عز وجل ﴿قل من رب السموات والأرض قل الله أفتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً﴾ (الرعد : ١٦)