أي : عنكم طراً، وقيل : أنه حال من كاف أرسلناك والمعنى : إلا جامعاً للناس في الإبلاغ والكافة بمعنى الجامع، والهاء فيه للمبالغة كهي في علامة ورواية قاله الزجاج.
وقيل : إن كافة صفة لمصدر محذوف تقديره : إلا إرسالة كافة قال الزمخشري : إلا إرسالة عامة لهم محيطة بهم ؛ لأنها إذا شملتهم فقد كفتهم أن يخرج منها أحد منهم قال أبو حيان : أما كافة بمعنى عامة فالمنقول عن النحويين أنها لا تكون إلا حالاً ولم يتصرف فيها بغير ذلك فجعلها صفة لمصدر محذوف خروج عما نقلوا، ولا يحفظ أيضاً استعمالها صفة لموصوف محذوف قال البقاعي : وأما الجن فحالهم مشهور أي : أنه أرسل إليهم، وأما الملائكة فالدلائل على الإرسال إليهم في غاية الظهور انتهى.
وهذا هو اللائق بعموم رسالته وإن خالف في ذلك الجلال المحلي في "شرحه على جمع الجوامع"، وفي عموم رسالته ﷺ فضيلة على جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فلئن كان داود عليه السلام فضل بطاعة الجبال له والطير وإلانة الحديد وسليمان عليه السلام بما ذكر له، فقد فضل محمد ﷺ نبينا بإرساله إلى الناس كافة، والحصا سبح في كفه، والجبال أمرت بالسير معه ذهباً وفضة، والحمرة شكت إليه أخذ فراخها أو بيضها، والضب شهد له بالرسالة والجمل شكا إليه وسجد له، والأشجار أطاعته والأحجار سلمت عليه وائتمرت بأمره وغير ذلك مما لا يدخل تحت الحصر، وإنما ذكرت ذلك تبركاً بذكره ﷺ وأنا أسأل الله تعالى أن يشفع في وفي والدي وجميع أحبابي وبقية المسلمين أجمعين.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٦٦
ولما كانت البشارة هي الخبر الأول الصدق السار وكان في ذكرها رد لقولهم في الكذب والجنون قال تعالى ﴿بشيراً﴾ أي : مبشراً للمؤمنين بالجنة ﴿ونذيراً﴾ أي : منذراً للكافرين بالعذاب ﴿ولكن أكثر الناس﴾ أي : كفار مكة ﴿لا يعلمون﴾ فيحملهم جهلهم على مخالفتك.
٣٦٩
ولما سلب عنهم العلم اتبعه دليله كقوله تعالى معبراً بصيغة المضارع الدال على ملازمة التكرير للإعلام بأنه على سبيل الاستهزاء لا الاسترشاد.
﴿ويقولون﴾ من فرط جهلهم بعاقبة ما يوعدونه ﴿متى هذا الوعد﴾ أي : البشارة والنذارة في يوم الجمع وغيره فسموه وعداً زيادة في الاستهزاء.
ولما كان قول الجماعة أجدر بالقبول وأبعد عن الرد من قول الواحد أشار إلى زيادة جهلهم بقوله تعالى :﴿إن كنتم﴾ أي : أيها النبي وأتباعه ﴿صادقين﴾ أي : متمكنين في الصدق.
﴿قل لكم﴾ أي : أيها الجاحدون الأجلاف الذين لا يجوزون الممكنات أو لا يتدبرون ما أوضحها من الدلالات ﴿ميعاد يوم﴾ أي : لا يحتمل القول وصف عظمه لما يأتي فيه لكم من العقاب سواء كان يوم الموت كما قاله الضحاك أو البعث كما قاله أكثر المفسرين ﴿لا تستأخرون﴾ أي : لا يوجب تأخركم ﴿عنه ساعة﴾ لأن الآتي به عظيم القدرة محيط العلم ولذلك قال :﴿ولا تستقدمون﴾ أي : لا يوجد تقدمكم لحظة فما دونها ولا تتمكنون من طلب ذلك.
فإن قيل : كيف انطبق هذا جواباً عن سؤالهم ؟
أجيب : بأنهم ما سألوا عن ذلك وهم منكرون له إلا تعنتاً لا استرشاداً فجاء الجواب على طريق التهديد مطابقاً لمجيء السؤال على سبيل الإنكار والتعنت، وأنهم مرصدون بيوم يفاجئهم فلا يستطيعون تأخراً عنه ولا تقدماً عليه.
﴿وقال الذين كفروا﴾ مؤكدين قطعاً للأطماع عن دعائهم ﴿لن نؤمن﴾ أي : نصدق أبداً وصرحوا بالمنزل عليه ﷺ بالإشارة فقالوا :﴿بهذا القرآن﴾ أي : وإن جمع جميع الحكم والمقاصد المتضمنة لبقية الكتب ﴿ولا بالذي بين يديه﴾ أي : قبله من الكتب التوراة والإنجيل وغيرهما بل نحن قانعون بما وجدنا عليه آباءنا، وذلك لما روي أن كفار مكة سألوا بعض أهل الكتاب فأخبروهم أن صفة هذا النبي عندهم في كتبهم فأغضبهم ذلك وقرنوا إلى القرآن جميع ما تقدمه من كتب الله في الكفر بها فكفروا بها جميعاً.
وقيل : الذي بين يديه يوم القيامة، والمعنى أنهم جحدوا أن يكون القرآن من الله، وأن يكون ما دل عليه من الإعادة للجزاء حقيقة.
ثم أخبر عن عاقبة أمرهم ومآلهم في الآخرة فقال تعالى لرسوله ﷺ أو للمخاطب :﴿ولو﴾ أي : والحال أنك لو ﴿ترى﴾ أي : يوجد منك رؤية لحالهم ﴿إذا الظالمون﴾ أي : الذين يضعون الأشياء في غير محالها فيصدقون آباءهم لإحسان يسير مكدر من غير دليل، ولا يصدقون ربهم الذي لا نعمة عندهم ولا عند آبائهم إلا منه ﴿موقوفون﴾ أي : بعد البعث بأيدي جنوده أو غيرها بأيسر أمر منه ﴿عند ربهم﴾ أي : في موضع المحاسبة ﴿يرجع بعضهم﴾ أي : على وجه الخصام عداوة كان سببها مواددة في الدنيا بطاعة بعضهم لبعض في معاصي الله تعالى ﴿إلى بعض القول﴾ أي : بالملامة والمباكتة والمخاصمة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٦٦