بالخبر في الأول والاستفهام في الثاني، والباقون بالاستفهام فيهما وسهل الهمزة الثانية في الاستفهام نافع وابن كثير وأبو عمرو وحقق الباقون، وأدخل في الاستفهام الفاء بين الهمزتين قالون وأبو عمرو وهشام، والباقون بغير إدخال، وقرأ قالون وابن عامر أو آباؤنا بسكون الواو على أنها أو العاطفة المقتضية للشك، والباقون بفتحها على أنها همزة الاستفهام دخلت على واو العطف، وقرأ الكسائي ﴿نعم﴾ بكسر العين وهو لغة فيه، وقوله تعالى :
﴿فإنما هي زجرة واحدة﴾ جواب شرط مقدر أي : إذا كان كذلك فإنما البعثة زجرة أي : صيحة واحدة هي النفخة الثانية من زجر الراعي غنمه إذا صاح عليها، وأمرها في الإعادة كأمرها بكن في الابتداء ولذلك رتب عليها ﴿فإذا هم ينظرون﴾ أي : أحياء في الحال من غير مهلة ينظر بعضهم بعضاً، وقيل : ينظرون ما يحدث لهم أو ينظرون إلى البعث الذي كذبوا به، ولا فرق بين من صار كله تراباً ومن لم يتغير أصلاً ومن هو بين ذلك، قال البقاعي : ولعله خص بالذكر ؛ لأنه لا يكون إلا مع كمال الحياة ولذلك قال ﷺ "إذا قبض الروح تبعه البصر" وأما السمع فقد يكون لغير الحي ؛ لأنه ﷺ قال في الكفار من قتلى بدر :"ما أنتم بأسمع لما أقول منهم" قال : وشاهدت أنا في بلاد العرب المجاورة لنابلس شجرة لها شوك يقال لها : الغبيرا متى قيل عندها : هات لي المنجل لأقطع هذه الشجرة أخذ ورقها في الحال في الذبول فإنه سبحانه أعلم ما سبب ذلك.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٨
تنبيه : لا أثر للصيحة في الموت ولا في الحياة بل خالق الموت والحياة هو الله تعالى كما قال تعالى ﴿الذي خلق الموت والحياة﴾ (الملك : ٢)
روي أن الله تعالى يأمر الملك إسرافيل فينادي : أيها العظام النخرة والجلود البالية والأجزاء المتفرقة اجتمعوا بإذن الله تعالى.
﴿وقالوا﴾ أي : كل من جمعه البعث من الكفرة بعد القيام من القبور معلنين بما انكشف لهم من أنه لا ملازم لهم غير الويل ﴿يا ويلنا﴾ أي : هلاكنا وهو مصدر لا فعل له من لفظه وقال الزجّاج : الويل كلمة يقولها القائل وقت الهلكة وتقول لهم الملائكة :﴿هذا يوم الدين﴾ أي : الحساب والجزاء.
﴿هذا يوم الفصل﴾ أي : بين الخلائق ﴿الذي كنتم به تكذبون﴾ وقيل : هو أيضاً من كلام بعضهم لبعض وقوله تعالى :
﴿احشروا﴾ أي : اجمعوا بكره وصغار ﴿الذين ظلموا﴾ أي : ظلموا أنفسهم بالشرك أمر من الله تعالى للملائكة عليهم السلام، وقيل : أمر من بعضهم لبعض أي : احشروا الظلمة من مقامهم إلى الموقف، وقيل : منه إلى جهنم ﴿وأزواجهم﴾ أي : وأشباههم عابدوا الصنم مع عبدة الصنم وعابدو الكواكب مع عبدتها كقوله تعالى ﴿وكنتم أزواجاً ثلاثة﴾ (الواقعة : ٧)
أي : أشكالاً وأشباهاً، وقال الحسن : وأزواجهم المشركات، وقال الضحاك ومقاتل : قرناؤهم من الشياطين وعلى هذا اقتصر الجلال المحلي أي : يقرن كل كافر مع شيطانه في سلسلة ﴿وما كانوا يعبدون من دون الله﴾ أي : غيره في الدنيا من الأوثان والطواغيت زيادة في تحسيرهم وتخجيلهم،
٤٥٥
ومثل الأوثان الذين رضوا بعبادتهم لهم ولم ينكروا عليهم ذلك ويأمروهم بعبادة الله تعالى الذي تفرد بنعوت العظمة وصفات الكمال، وقال مقاتل : يعني إبليس وجنوده واحتج بقوله تعالى :﴿أن لا تعبدوا الشيطان﴾ (يس : ٦٠)
﴿فاهدوهم إلى صراط الجحيم﴾ قال ابن عباس : دلوهم إلى طريق النار، وقال ابن كيسان : قدموهم، قال البغوي : والعرب تسمي السائق هادياً، قال الواحدي : هذا وهم ؛ لأنه يقال : هدى إذا تقدم ومنه الهادية والهوادي وهاديات الوحوش ولا يقال : هدى بمعنى قدم.
﴿وقفوهم﴾ أي : احبسوهم قال البغوي : قال المفسرون : لما سيقوا إلى النار حبسوا عند الصراط فقيل لهم : قفوهم ﴿إنهم مسؤولون﴾ قال ابن عباس : عن جميع أقوالهم وأفعالهم، وروي عنه عن لا إله إلا الله، وقيل : تسألهم خزنة جهنم عليهم السلام ﴿ألم يأتكم نذير﴾ (الملك : ٨)
أي : رسل منكم جاؤكم بالبينات ﴿قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين﴾ (الزمر : ٧١)، وروي عن أبي برزة الأسلمي قال :"لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيم أفناه وعلمه ماذا عمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه فيم أبلاه". وفي رواية و"عن شبابه فيم أبلاه"، وعن أنس أن رسول الله ﷺ قال :"ما من داع دعا إلى شيء إلا كان موقوفاً يوم القيامة لازماً به وإن دعا رجل رجلاً ثم قرأ ﴿وقفوهم إنهم مسؤولون﴾ ويقال لهم توبيخاً :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٨
﴿ما لكم﴾ أي : أي شيء حاصل لكم شغلكم وألهاكم حال كونكم ﴿لا تناصرون﴾ قال ابن عباس : لا ينصر بعضكم بعضاً كما كنتم في الدنيا، وذلك أن أبا جهل قال يوم بدر : نحن جميع منتصر، فقيل لهم يوم القيامة ما لكم لا تناصرون، وقيل : يقال للكفار ما لشركائكم لا يمنعونكم من العذاب ويقال عنهم :