تنبيه : اختلف في ذلك القرين فقال مجاهد : كان شيطاناً، وقيل : كان من الإنس، وقال مقاتل : كانا أخوين، وقيل : كانا شريكين حصل لهما ثمانية آلاف دينار فتقاسماها واشترى أحدهما داراً بألف دينار فأراها صاحبه، وقال : كيف ترى حسنها ؟
فقال : ما أحسنها ثم خرج فتصدق بألف دينار وقال : اللهم إن صاحبي قد ابتاع هذه الدار بألف دينار وإني أسألك داراً من دور الجنة، ثم إن صاحبه تزوج امرأة حسناء بألف دينار، فتصدق صاحبه بألف دينار لأجل أن يزوجه الله تعالى من الحور العين، ثم إن صاحبه اشترى بساتين بألفي دينار، فتصدق هذا بألفي دينار ثم إن الله تعالى أعطاه ما طلبه في الجنة، وقيل : كان أحدهما كافراً اسمه ينطواوس والآخر مؤمن اسمه يهودا وهما اللذان قص الله تعالى خبرهما في سورة الكهف في قوله تعالى ﴿واضرب لهم مثلاً رجلين﴾ (الكهف : ٣٢)
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٦٠
قال﴾
أي : ذلك القائل لإخوته ﴿هل أنتم مطلعون﴾ أي : معي إلى النار لننظر حاله فيقولون : لا.
﴿فاطلع﴾ ذلك القائل من بعض كوى الجنة قال ابن عباس رضي الله عنهما : أن في الجنة كوى ينظر أهلها منها إلى النار ﴿فرآه﴾ أي : رأى قرينه ﴿في سواء الجحيم﴾ أي : وسط النار وإنما يسمى وسط الشيء سواء لاستواء الجوانب منه.
٤٦٠
﴿قال﴾ له توبيخاً مقسماً بقوله ﴿تالله إن كدت﴾ أي : قاربت وإن مخففة من الثقيلة ﴿لتردين﴾ أي : لتهلكني بإغوائك إياي بإنكار البعث والقيامة.
﴿ولولا نعمة ربي﴾ أي : إنعامه علي بالإيمان والهداية والعصمة ﴿لكنت من المحضرين﴾ معك في النار.
تنبيه : أثبت الياء بعد النون في ﴿لتردين﴾ ورش، والباقون بالتخفيف.
ولما تم الكلام مع قرينه الذي هو في النار عاد إلى مخاطبة جلسائه من أهل الجنة وقال :
﴿أفما نحن بميتين﴾ وهذا عطف على محذوف أي : أنحن مخلدون منعمون فما نحن بميتين أي : ممن شأنه الموت، وقال بعضهم : إن أهل الجنة لا يعلمون في أول دخولهم الجنة أنهم لا يموتون فإذا جيء بالموت على صورة كبش أملح وذبح يقول أهل الجنة للملائكة : أفما نحن بميتين ؟
فتقول الملائكة : لا فعند ذلك يعلمون أنهم لا يموتون، وعلى هذا فالكلام حصل قبل ذبح الموت، وقيل : إن الذي تكاملت سعادته إذا عظم تعجبه بها يقول ذلك على جهة التحديث بالنعمة التي أنعم الله تعالى بها عليه، وقيل : يقوله المؤمن لقرينه توبيخاً له بما كان ينكره، وقوله :
﴿إلا موتتنا الأولى﴾ منصوب على المصدر والعامل فيه الوصف قبله ويكون استثناء مفرغاً، وقيل : هو استثناء منقطع أي : لكن الموتة الأولى كانت لنا في الدنيا وهي متناوله لما في القبر بعد الإحياء للسؤال وهذا قريب في المعنى من قوله تعالى ﴿لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى﴾ (الدخان : ٥٦)
﴿وما نحن بمعذبين﴾ هو استفهام تلذذ وتحدث بنعمة الله تعالى من تأبيد الحياة وعدم التعذيب.
﴿إن هذا﴾ أي : الذي ذكر لأهل الجنة ﴿لهو الفوز العظيم﴾ هو قول أهل الجنة عند فراغهم من هذه المحادثات وقوله تعالى :
﴿لمثل هذا فليعمل العاملون﴾ قيل : إنه من بقية كلامهم، وقيل : إنه ابتداء كلام من الله تعالى أي : لنيل مثل هذا يجب أن يعمل العاملون لا للحظوظ الدنيوية المشوبة بالآلام السريعة الإنصرام.
ولما ذكر تعالى ثواب أهل الجنة ووصفها وذكر مآكل أهل الجنة ومشاربهم وقال ﴿لمثل هذا فليعمل العاملون﴾ أتبعه بقوله تعالى :
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٦٠
أذلك﴾
أي : المذكور لأهل الجنة ﴿خير نزلاً﴾ وهو ما يعد للنازل من ضيف أو غيره ﴿أم شجرة الزقوم﴾ أي : المعدة لأهل النار نزلاً، وانتصاب نزلاً على التمييز أو الحال وفي ذكره دلالة على أن ما ذكر من النعيم لأهل الجنة بمنزلة ما يقدم للنازل ولهم ما وراء ذلك مما تقصر عنه الأفهام، وكذا الزقوم لأهل النار وهي : اسم شجرة صغيرة الورق زفرة مرة تكون بتهامة ثم سميت به : الشجرة الموصوفة، وإذا عرف هذا فالحاصل من الرزق المعلوم لأهل الجنة اللذة والسرور وحاصل شجرة الزقوم الألم والغم، ومعلوم أنه لا نسبة لأحدهما إلى الآخر في الخيرية إلا أنه جاء هذا الكلام على سبيل السخرية بهم أو لأجل أن المؤمنين لما اختاروا ما أوصلهم إلى الرزق الكريم والكافرون اختاروا ما أوصلهم إلى العذاب الأليم قيل لهم ذلك توبيخاً لهم على اختيارهم.
﴿إنا﴾ أي : بما لنا من العظمة والقدرة البالغة ﴿جعلناها فتنة﴾ أي : محنة وعذاباً ﴿للظالمين﴾ أي : الكافرين قال الكلبي : في الآخرة وابتلاء في الدنيا لما سمعوا بأنها في النار قالوا : كيف ذلك والنار تحرق الشجر ولم يعلموا أن من قدر على خلق يعيش في النار ويتلذذ بها فهو أقدر على خلقه الشجر في النار وحفظه من الإحراق.
ولما نزلت هذه الآية قال ابن الزبعرى : أكثر الله في بيوتكم الزقوم فإن أهل اليمن يسمون
٤٦١


الصفحة التالية
Icon