﴿إذ جاء ربه﴾ وجهان أحدهما : اذكر مقدراً وهو المعروف، والثاني : قال الزمخشري : ما في معنى الشيعة من معنى المشايعة يعني : وإن ممن شايعه على دينه وتقواه حين جاء ربه ورد هذا أبو حيان قال : لأن فيه الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي وهو لإبراهيم ؛ لأنه أجنبي من شيعته ومن إذ، واختلف في قوله عز وجل ﴿بقلب سليم﴾ فقال مقاتل والكلبي : المعنى أنه سليم من الشرك ؛ لأنه أنكر على قومه الشرك، وقال الأصوليون : معناه أنه عاش ومات على طهارة القلب من كل معصية وقوله تعالى :
﴿إذا قال لأبيه وقومه﴾ بدل من إذ الأولى أو ظرف لسليم أو لجاء وقوله تعالى لهم :﴿ماذا﴾ أي : ما الذي ﴿تعبدون﴾ استفهام توبيخ تهجين لتلك الطريقة تقبيحها وفي قوله :
﴿أئفكا آلهة دون الله تريدون﴾ أوجه من الإعراب أحدها : أنه مفعول من أجله أي : أتريدون آلهة دون الله إفكاً فآلهة مفعول به ودون ظرف لتريدون وقدمت معمولات الفعل اهتماماً بها وحسنه كون العامل رأس فاصلة، وقدم المفعول من أجله على المفعول به اهتماماً به ؛ لأنه مكافح لهم بأنهم على إفك وباطل وبهذا الوجه بدأ الزمخشري، الثاني : أن يكون مفعولاً به بتريدون ويكون آلهة بدلاً منه جعلها نفس الإفك مبالغة فأبدلها منه وفسره بها واقتصر على هذا ابن عطية، الثالث : أنه حال من فاعل تريدون أي : أتريدون آلهة آفكين أو ذوي إفك، وإليه نحا الزمخشري، واعترضه أبو حيان بأن جعل المصدر حالاً لا يطرد إلا مع نحو أما علماً فعالم، والإفك أسوأ الكذب.
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٦٤
فما ظنكم﴾
أي : أتظنون ﴿برب العالمين﴾ أنه جوز جعل هذه الجمادات مشاركة له في العبودية أو تظنون برب العالمين أنه من جنس هذه الأجسام حتى جعلتموها مساوية له في العبودية فنبههم بذلك على أنه ليس كمثله شيء، أو فما ظنكم برب العالمين إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره أنه يترككم بلا عذاب لا، وكانوا نجامين فخرجوا إلى عيد لهم وتركوا طعامهم عند أصنامهم زعموا
٤٦٥
التبرك عليه فإذا رجعوا أكلوه وقالوا للسيد إبراهيم عليه الصلاة والسلام : اخرج.
﴿فنظر نظرة في النجوم﴾ إيهاماً لهم أنه يعتمد عليها فيتبعوه.
﴿فقال إني سقيم﴾ أي : عليل وذلك أنه أراد أن يكايدهم في أصنامهم ليلزمهم الحجة في أنها غير معبودة وأراد أن يتخلف عنهم ليبقى خالياً في بيت الأصنام فيقدر على كسرها. فإن قيل : النظر في علم النجوم غير جائز فكيف قدم إبراهيم عليه السلام عليه وأيضاً لم يكن سقيماً فكيف أخبرهم بخلاف حاله ؟
أجيب عن ذلك : بأنا لا نسلم أن النظر في علم النجوم والاستدلال بها حرام ؛ لأن من اعتقد أن الله تعالى خص كل واحد من هذه الكواكب بطبع وخاصة لأجلها يظهر منه أثر مخصوص فهذا العلم على هذا الوجه ليس بباطل وأما الكذب فغير لازم ؛ لأن قوله ﴿إني سقيم﴾ على سبيل التعريض بمعنى أن الإنسان لا ينفك في أكثر أحواله عن حصول حالة مكروهة إما في بدنه وإما في قلبه وكل ذلك سقم، وعلى تقدير تسليم ذلك أجيب بأوجه :
أحدها : أن نظره في النجوم أو في أوقات الليل والنهار وكانت تأتيه الحمى في بعض ساعات الليل والنهار، فنظر ليعرف هل هي تلك الساعة فقال ﴿إني سقيم﴾ فجعله عذراً في تخلفه عن العيد الذي لهم فكان صادقاً فيما قال ؛ لأن السقم كان يأتيه في ذلك الوقت.
ثانيها أنهم كانوا أصحاب النجوم أي : يعلمونها ويقضون بها على أمورهم، فلذلك نظر إبراهيم في النجوم أي : في علم النجوم كما تقول : نظر فلان في الفقه أي : في علم الفقه فأراد إبراهيم أن يوهمهم أنه نظر في عملهم وعرف منه ما يعرفونه حتى إذا قال لهم ﴿إني سقيم﴾ سكنوا إلى قوله، وأما قوله ﴿إني سقيم﴾ فمعناه سأسقم كقوله تعالى ﴿إنك ميت﴾ (الزمر : ٣٠)
أي : ستموت.
ثالثها : أن نظره في النجوم هو قوله تعالى ﴿فلما جن عليه الليل رأى كوكباً﴾ إلخ الآيات (الأنعام : ٧٦)
فكان نظره ليتعرف هذه الكواكب هل هي قديمة أو حادثة وقوله ﴿إني سقيم﴾ أي : سقيم القلب غير عارف بربي وكان ذلك قبل بلوغه.
رابعها : قال ابن زيد : كان له نجم مخصوص وكلما طلع على صفة مخصوصة مرض إبراهيم فلهذا الاستقراء لما رآه في تلك الحالة المخصوصة قال ﴿إني سقيم﴾ أي : هذا السقم واقع لا محالة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٦٤
خامسها : أن قوله ﴿إني سقيم﴾ أي : مريض القلب بسبب إطباق ذلك الجمع العظيم على الكفر والشرك كقوله تعالى لمحمد ﷺ ﴿فلعلك باخع نفسك﴾ (الكهف : ٦)


الصفحة التالية
Icon