رب دعني أنا الذي أكون أدعو لهم وآتيهم بالفرج مما هم فيه من البلاء لعلهم أن يرجعوا عما هم عليه من عبادة غيرك، فقيل له : نعم، فجاء إلياس إلى بني إسرائيل فقال : إنكم قد هلكتم جوعاً وجهداً وقد هلكت البهائم والهوام والشجر بخطاياكم وإنكم على باطل، فإن كنتم تحبون أن تعلموا ذلك فاخرجوا بأصنامكم فإن استجابت لكم فذلك كما تقولون، وإن هي لم تفعل علمتم أنكم على باطل فنزعتم ودعوتم الله سبحانه وتعالى، ففرج عنكم ما أنتم فيه من البلاء قالوا : أنصفت فخرجوا بأوثانهم فدعوها فلم تفرج عنهم ما كانوا فيه من البلاء ثم قالوا لإلياس : إنا قد هلكنا فادع الله لنا فدعا لهم إلياس ومعه اليسع بالفرج، فخرجت سحابة مثل الترس على ظهر البحر وهم ينظرون فأقبلت نحوهم وطبقت الآفاق ثم أرسل الله تعالى عليهم المطر فأغاثهم وحييت بلادهم، فلما كشف الله تعالى عنهم المطر لم ينزعوا عن كفرهم وأقاموا على أخبث ما كانوا عليه، فلما رأى ذلك إلياس دعا ربه أن يريحه منهم، فقيل له : انظر يوم كذا وكذا فاخرج فيه إلى موضع كذا فما جاءك من شيء فاركبه ولا تهبه، فخرج إلياس ومعه اليسع حتى إذا كانا بالموضع الذي أمر به أقبل فرس من نار، وقيل : لونه كلون النار حتى وقف بين يديه فوثب عليه إلياس وانطلق به الفرس وناداه اليسع : يا إلياس ما تأمرني ؟
فقذف إليه بكسائه من الجو الأعلى فكان ذلك علامة استخلافه إياه على بني إسرائيل، وكان ذلك آخر عهده به ورفع الله تعالى إلياس من بين أظهرهم وقطع عنه لذة المطعم والمشرب وكساه الريش، فكان إنسياً ملكياً أرضياً سماوياً، وسلط الله تعالى على لاجب الملك وقومه عدواً لهم فقصدهم من حيث لم يشعروا به حتى أرهقهم فقتل لاجب وامرأته إزميل في بستان مزدكي فلم تزل جيفتاهما ملقاتين في تلك الجنينة حتى بليت لحومهما ورمت عظامهما، ونبأ الله تعالى اليسع وبعثه رسولاً إلى بني إسرائيل فأوحى الله تعالى إليه وأيده، فآمنت به بنو إسرائيل وكانوا يعظمونه، وحكم الله تعالى فيهم قائم إلى أن فارقهم اليسع.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٦٩
روى السري بن يحيى عن عبد العزيز بن أبي رواد قال : الياس والخضر يصومان رمضان ببيت المقدس ويوافيان موسم الحج في كل عام، وقيل : إن الياس موكل بالفيافي والخضر موكل بالبحار فذلك قوله تعالى ﴿وإن إلياس لمن المرسلين﴾.
﴿إذ﴾ أي : اذكر يا أفضل الخلق إذ ﴿قال لقومه ألا تتقون﴾ أي : ألا تخافون الله.
ولما خوفهم على سبيل الإجمال ذكر ما هو السبب لذلك التخويف بقوله تعالى :
﴿أتدعون بعلاً﴾ اسم لصنم لهم من ذهب وبه سميت البلد أيضاً مضافاً إلى بك أي : أتعبدونه أو تطلبون الخير منه، وقيل : البعل الرب بلغة اليمن سمع ابن عباس رجلاً منهم ينشد ضالة فقال آخر : أنا بعلها فقال : الله أكبر وتلا الآية، ويقال : من بعل هذه الدار أي : من ربها، وسمي الزوج بعلاً لهذا المعنى قال الله تعالى ﴿وبعولتهن أحق بردهن﴾ (البقرة : ٢٢٨)
وقالت امرأة إبراهيم ﴿وهذا بعلي شيخاً﴾ والمعنى : أتدعون بعض البعول ﴿وتذرون﴾ أي : وتتركون ﴿أحسن الخالقين﴾ فلا تعبدونه، وقرأ ابن ذكوان بهمزة الوصل من إلياس في الوصل فإن ابتدأ بها ابتدأ بفتحها، والباقون بهمزة مكسورة وصلاً وابتداء وقوله تعالى :
﴿الله ربكم ورب آبائكم الأولين﴾ قرأه حفص وحمزة والكسائي بنصب الهاء من الاسم الكريم ونصب الباء الموحدة من ربكم ورب وذلك إما على المدح أو البدل أو البيان إن قلنا إن إضافة أفعل إضافة محضة، والباقون بالرفع في الثلاثة وذلك إما على خبر مبتدأ مضمر أي :
٤٧٥
هو الله وعلى أن الجلالة مبتدأ وما بعده الخبر.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٦٩
أي : في العذاب وإنما أطلقه اكتفاء بالقرينة أو لأن الإحضار المطلق مخصوص بالشر عرفاً وقوله تعالى :
﴿إلا عباد الله المخلصين﴾ أي : المؤمنين مستثنى من فاعل فكذبوه، وفيه دلالة على أن في قومه من لم يكذبه، فلذلك استثنوا ولا يجوز أن يكونوا مستثنين من ضمير لمحضرون لفساد المعنى ؛ لأنه يلزم أن يكونوا مندرجين فيمن كذب لكنهم لم يحضروا لكونهم عباد الله المخلصين وهو بين الفساد لا يقال : هو مستثنى منه استثناء منقطعاً ؛ لأنه يصير المعنى : لكن عباد الله المخلصين من غير هؤلاء لم يحضروا، ولا حاجة إلى هذا إذ به يفسد نظم الكلام وتقدم الكلام على قراءة المخلصين في أول السورة.
﴿وتركنا عليه في الآخرين﴾ ثناء حسناً.
﴿سلام﴾ أي : منا، وقوله تعالى :﴿على إل ياسين﴾ قرأه نافع وابن عامر بفتح الهمزة ممدودة وكسر اللام وقطعها عن الياء كما رسمت أي : أهله والمراد به إلياس، والباقون بكسر الهمزة وسكون اللام وهي مقطوعة عن الياء قيل : هو إلياس المتقدم، وقيل : هو ومن آمن معه فجمعوا معه تغليباً كقولهم للمهلب وقومه : المهلبون، وقيل : هو محمد ﷺ أو القرآن أو غيره من كتب الله تعالى، قال البيضاوي : والكل لا يناسب نظم سائر القصص ولا قوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon