جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٧٦
إنا كذلك نجزي المحسنين} أي : كما جزيناه.
﴿إنه من عبادنا المؤمنين﴾ إذ الظاهر أن الضمير لإلياس.
القصة الخامسة قصة لوط عليه السلام المذكورة في قوله تعالى :
﴿وإن لوطاً لمن المرسلين﴾ ﴿إذ﴾ أي : واذكر إذ ﴿نجيناه وأهله أجمعين﴾ ﴿إلا عجوزاً في الغابرين﴾ أي : الباقين في العذاب.
﴿ثم دمرنا﴾ أي : أهلكنا ﴿الآخرين﴾ أي : كفار قومه.
﴿وإنكم﴾ يا أهل مكة ﴿لتمرون عليهم مصبحين﴾ أي : على منازلهم في متاجركم إلى الشام فإن سدوم في طريقه، وقوله تعالى :﴿وبالليل﴾ عطف على الحال قبلها أي : ملتبسين بالليل والمعنى : أن أولئك القوم كانوا يسافرون إلى الشام، والمسافر في أكثر الأمر إنما يمشي في أول الليل وفي أول النهار فلهذا السبب عبر الله تعالى عن هذين الوقتين ثم قال تعالى :﴿أفلا تعقلون﴾ أي : أليس فيكم عقل يا أهل مكة فتنظروا ما حل بهم فتعتبروا ؟
القصة السادسة : وهي آخر القصص، قصة يونس عليه السلام المذكورة في قوله تعالى :
﴿وإن يونس لمن المرسلين﴾ وقوله تعالى :
﴿إذ أبق﴾ ظرف للمرسلين أي : هو من المرسلين حتى في هذه الحالة وأبق أي : هرب وأصله الهرب من السيد لكن لما كان هربه من قومه بغير إذن ربه حسن إطلاقه عليه. ﴿إلى الفلك المشحون﴾ أي : السفينة المملوءة، قال ابن عباس رضي الله عنهما ووهب : كان يونس وعد قومه العذاب فتأخر عنهم فخرج كالمنشوز منهم فقصد البحر فركب السفينة، فقال الملاحون : ههنا عبد آبق من سيده فاقترعوا فوقعت القرعة على يونس، فقال يونس : أنا الآبق فزج نفسه في البحر.
وروي في القصة : أنه لما وصل إلى البحر كانت معه امرأته وابنان له فجاء مركب وأراد أن يركب معهم فقدم امرأته ليركب بعدها فحال الموج بينه وبين المركب ومر المركب، ثم جاءت موجة أخرى فأخذت ابنه الأكبر، وجاء ذئب فأخذ ابنه الأصغر فبقي فريداً، فجاءت مركب أخرى فركبها وقعد ناحية من القوم، فلما جرت السفينة في البحر ركدت فقال الملاحون : إن فيكم عاصياً
٤٧٦
وإلا لم يحصل وقوف السفينة كما نراه من غير ريح ولا سبب ظاهر فأقرعوا فمن خرجت القرعة على سهمه نغرقه فإن تغريق واحد خير من غرق الكل فاقترعوا فخرجت القرعة على يونس فذلك قوله تعالى :
﴿فساهم﴾ أي : قارع أهل السفينة ﴿فكان من المدحضين﴾ أي : المغلوبين بالقرعة فألقوه في البحر.
﴿فالتقمه﴾ ابتلعه ﴿الحوت وهو مليم﴾ أي : آت بما يلام عليه من ذهابه إلى البحر وركوبه السفينة بلا إذن من ربه وقيل : مليم نفسه.
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٧٦
فلولا أنه كان من المسبحين﴾ أي : الذاكرين قبل ذلك وكان عليه السلام كثير الذكر، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : من المصلين، وقال وهب : من العابدين، وقال الحسن : ما كان له صلاة في بطن الحوت ولكنه قدم عملاً صالحاً، قال الضحاك : شكر الله تعالى له طاعته القديمة، اذكر الله في الرخاء يذكرك في الشدة، فإن يونس كان عبداً صالحاً ذاكراً لله تعالى فلما وقع في الشدة في بطن الحوت شكر الله تعالى له ذلك، وقال سعيد بن جبير : يعني قوله :﴿لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين﴾ (الأنبياء : ٨٧)
﴿للبث في بطنه إلى يوم يبعثون﴾ أي : صار بطن الحوت له قبراً إلى يوم القيامة وهو حي أو ميت وفي ذلك حث على إكثار الذكر وتعظيم لشأنه ومن أقبل عليه في السراء أخذ بيده في الضراء.
﴿فنبذناه﴾ أي : ألقيناه من بطن الحوت فأضاف النبذ إلى نفسه سبحانه مع أن النبذ إنما حصل بفعل الحوت فهو يدل على أن فعل العبد مخلوق لله تعالى ﴿بالعراء﴾ أي : بوجه الأرض، وقال السدي : بالساحل والعراء الأرض الخالية من الشجر والنبات، روي أن الحوت سار مع السفينة رافعاً رأسه يتنفس فيه يونس ويسبح الله تعالى حتى انتهى إلى الأرض فلفظه.
تنبيه : اختلفوا في مدة لبثه في بطن الحوت فقال الحسن : لم يلبث إلا قليلاً ثم أخرج من بطن الحوت، وقال بعضهم : التقمه بكرة ولفظه عشية، وقال مقاتل بن حبان : ثلاثة أيام، وقال عطاء : سبعة أيام، وقال الضحاك : عشرين يوماً، وقيل : شهراً، وقيل : أربعين يوماً، قال الرازي : ولا أدري بأي دليل عينوا هذه المقادير ؟
وروى أبو بردة عن النبي ﷺ أنه قال : سبح يونس في بطن الحوت فسمع الملائكة تسبيحه فقالوا : ربنا إنا نسمع صوتاً ضعيفاً بأرض غريبة فقال تعالى : ذاك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر، قالوا : العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه كل يوم وليلة عمل صالح، قال : نعم فشفعوا له فأمر الحوت فقذفه بالساحل.
وروي أن يونس عليه السلام لما ابتلعه الحوت ابتلع الحوت حوت آخر أكبر منه فلما استقر في جوف الحوت حسب أنه قد مات فحرك جوارحه فتحركت فإذا هو حي فخر لله تعالى ساجداً وقال : يا رب اتخذت لي مسجداً لم يعبدك أحد في مثله ﴿وهو سقيم﴾ أي : عليل كالفرخ الممعوط.