وقال الضحاك : ذو القوة والبطش، وقال عطية : ذو الجموع والجنود الكثيرة لأنهم كانوا يقوون أمره ويشدون ملكه كما يقوي الوتد الشيء، والأوتاد جمع وتد وفيه لغات وتد بفتح الواو وكسر التاء وهو الفصحى، ووتد بفتحتين، وودّ بإدغام التاء في الدال.
﴿وثمود﴾ واستمروا فيما هم فيه إلى أن رأوا علامات العذاب من صفرة الوجوه ثم حمرتها ثم سوادها ولم يكن في ذلك زاجر يردهم عن عزتهم وشقاقهم ﴿وقوم لوط﴾ أي : الذين لهم قوة القيام بما يحاولونه واستمروا في عزتهم وفي شقاقهم حتى ضربوا بالعشاء وطمس الأعين ولم يقدروا على الوصول إلى ما أرادوا من الدخول إلى بيت لوط عليه السلام ولم يردهم ذلك عن عزتهم وشقاقهم ﴿وأصحاب الأيكة﴾ أي : الغيضة، وهم قوم شعيب عليه الصلاة والسلام ﴿أولئك الأحزاب﴾ أي : المتحزبون على الرسل عليهم السلام الذين خص الجند المهزوم منهم، وقيل : المعنى أولئك الأحزاب مبالغة في وصفهم بالقوة كما يقال : فلان هو الرجل أي : أولئك الأحزاب مع كمال قوتهم لما كان عاقبتهم هي الهلاك والبوار فكيف حال هؤلاء الضعفاء المساكين إذا نزل عليهم العذاب، وفي الآية زجر وتخويف للسامعين.
﴿إن﴾ أي : ما ﴿كل﴾ أي : من الأحزاب ﴿إلا كذب الرسل﴾ أي : لأنهم إذا كذبوا واحداً منهم فقد كذبوا جميعهم لأن دعوتهم واحدة وهي دعوة التوحيد ﴿فحق عقاب﴾ أي : فوجب عليهم ونزل بهم عذابي.
ثم بين تعالى أن هؤلاء المكذبين وإن تأخر هلاكهم فكأنه واقع بهم فقال تعالى :
﴿وما ينظر﴾ وحقرهم بقوله تعالى :﴿هؤلاء﴾ أي : وما ينتظر كفار مكة ﴿إلا صيحة واحدة﴾ وهي نفخة الصور الأولى، كقوله تعالى :﴿ما ينظرون إلا صيحةً واحدةً تأخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية﴾ (يس : ٥٠)
الآية والمعنى : أنهم وإن لم يذوقوا عذابي في الدنيا فهو معدٌّ لهم يوم القيامة، فجعلهم
٤٨٨
منتظرين لها على معنى قربها منهم كالرجل الذي ينتظر الشيء فهو ماد الطرف إليه يقطع كل ساعة بحضوره، قيل : المراد بالصيحة عذاب يفجؤهم ويجيئهم دفعة واحدة كما يقال : صاح الزمان بهم إذا هلكوا قال الشاعر :
*صاح الزمان بآل برمك صيحة ** خروا لشدتها على الأذقان*
ونظيره قوله تعالى :﴿فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم﴾ (يونس : ١٠٢)
الآية. وقرأ حمزة والكسائي :﴿ما لها﴾ أي : الصيحة ﴿من فواق﴾ بضم الفاء، والباقون بفتحها، وهما لغتان بمعنى واحد وهو الزمان الذي بين حلبتي الحالب ورضعتي الراضع والمعنى : ما لها من توقف قدر فواق ناقة، وفي الحديث :"العبادة قدر فواق ناقة" وهذا في المعنى كقوله تعالى :﴿فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون﴾ (الأعراف : ٣٤)
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٨٤
وقال ابن عباس : ما لها من رجوع من أفاق المريض إذا رجع إلى صحته وإفاقة الناقة ساعة يرجع اللبن إلى ضرعها يقال : أفاقت الناقة تفيق إفاقة، رجعت واجتمعت الفيقة في ضرعها، والفيقة اللبن الذي يجتمع بين الحلبتين، وهو أن يحلب الناقة ثم يترك ساعة حتى يجتمع اللبن فما بين الحلبتين فواق أي : العذاب لا يمهلهم بذلك القدر.
﴿وقالوا﴾ أي : كفار مكة استهزاءً لما نزل قوله تعالى في الحاقة :﴿فأما من أوتي كتابه بيمينه﴾ (الحاقة : ١٩)
﴿وأما من أوتي كتابه بشماله﴾ (الحاقة : ٢٥)
﴿ربنا﴾ أي : يا أيها المحسن إلينا ﴿عجل لنا قطنا﴾ أي : كتاب أعمالنا في الدنيا ﴿قبل يوم الحساب﴾ وقال سعيد بن جبير : يعنون حظنا ونصيبنا من الجنة التي تقول، وقال مجاهد والسدي : يعنون عقوبتنا ونصيبنا من العذاب، قال عطاء : قاله النضر ابن الحارث وهو قوله :﴿إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء﴾ (الأنفال : ٣٢)
وقال مجاهد : قطنا حسابنا، يقال لكتاب الحساب : قط، وقال أبو عبيدة والكسائي : القط الكتاب بالجوائز ويجمع على قطوط وقططة، كقرد وقرود وقردة، وفي القلة على أقطة وأقطاط، كقدح وأقدحة وأقداح، إلا أن أفعلة في فعل شاذ.
ولما أن القوم تعجبوا من أمور ثلاثة أولها : من أمر النبوات وإثباتها كما قال تعالى :﴿وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب﴾ (ص : ٤)
وثانيها : تعجبهم من الإلهيات فقالوا ﴿أجعل الآلهة إلهاً واحداً﴾ وثالثها : تعجبهم من المعاد والحشر والنشر فقالوا :﴿ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب﴾ قالوا ذلك استهزاء أمر الله تعالى نبيه عليه السلام بالصبر فقال سبحانه :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٨٤
وقال ابن عباس : ما لها من رجوع من أفاق المريض إذا رجع إلى صحته وإفاقة الناقة ساعة يرجع اللبن إلى ضرعها يقال : أفاقت الناقة تفيق إفاقة، رجعت واجتمعت الفيقة في ضرعها، والفيقة اللبن الذي يجتمع بين الحلبتين، وهو أن يحلب الناقة ثم يترك ساعة حتى يجتمع اللبن فما بين الحلبتين فواق أي : العذاب لا يمهلهم بذلك القدر.
﴿وقالوا﴾ أي : كفار مكة استهزاءً لما نزل قوله تعالى في الحاقة :﴿فأما من أوتي كتابه بيمينه﴾ (الحاقة : ١٩)