﴿ولقد فتنا سليمان وألقينا﴾ أي : بما لنا من العظمة ﴿على كرسيه جسداً ثم أناب﴾ فقال محمد بن إسحاق : عن وهب بن منبه قال : سمع سليمان بمدينة في جزيرة من جزائر البحر وكان الله تعالى قد أعطى سليمان في ملكه سلطاناً لا يمتنع عليه شيء في بر ولا بحر إنما يركب إليه الريح، فخرج إلى تلك المدينة تحمله الريح على ظهر الماء حتى نزل بها بجنوده من الجن والإنس، فأخذها وقتل ملكها وسبا ما فيها وأصاب فيما أصاب بنتاً لذلك الملك يقال لها جرادة لم ير مثلها حسناً وجمالاً فاصطفاها لنفسه ودعاها إلى الإسلام فأسلمت على جفاء منها وقلة فقه، وأحبها حباً لم يحبه شيئاً من نسائه وكانت على منزلتها عنده لا يذهب حزنها ولا يرقأ دمعها فشق ذلك على سليمان عليه السلام.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٩٧
فقال لها : ويحك ما هذا الحزن ؟
قالت له : إن أبي أذكره وأذكر ملكه وما كان فيه وما أصاب فيحزنني ذلك فقال لها سليمان عليه السلام : قد أبدلك الله ملكاً هو أعظم من ملكه وسلطاناً هو أعظم من سلطانه وهداك إلى الإسلام وهو خير من ذلك كله، قالت : إن ذلك كذلك ولكن إذا ذكرته أصابني ما ترى من الحزن فلو أنك أمرت الشياطين فصوروا صورته في داري أراها بكرة وعشياً لرجوت أن يذهب ذلك حزني، فأمر سليمان عليه السلام الشياطين فمثلوا لها صورة أبيها فعمدت إليه حين صنعوه وألبسته ثياباً مثل ثيابه التي كان يلبسها، ثم كانت إذا خرج سليمان عليه السلام تذهب إليه مع ولائدها فتسجد له ويسجدن معها له تبعاً لها كما كانت تصنع في ملكه، وسليمان عليه السلام لا يعلم بشيء من ذلك أربعين صباحاً، فبلغ ذلك آصف بن برخيا وكان صديقاً لسليمان عليه السلام وكان لا يرد عن أبواب سليمان عليه السلام أي ساعة أراد دخول شيء من بيوت سليمان عليه السلام حاضراً كان سليمان عليه السلام أو غائباً.
فقال : يا نبي الله كبر سني ورق عظمي ونفد عمري وقد حان مني الذهاب وقد أحببت أن أقوم مقاماً قبل الموت أذكر فيه من مضى من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأثني عليهم بعملي فيهم وأعلم الناس ببعض ما كانوا يجهلون من كثير أمرهم، فقال : افعل فجمع سليمان عليه السلام الناس فقام فيهم خطيباً فذكر من مضى من أنبياء الله تبارك وتعالى وأثنى على كل نبي بما فضله الله به حتى انتهى إلى سليمان عليه السلام فقال : ما كان أحكمك في صغرك ثم انصرف، فوجد سليمان عليه السلام في نفسه من ذلك حتى امتلأ غضباً، فلما دخل داره دعاه فقال : يا آصف ذكرت من مضى من أنبياء الله تعالى فأثنيت عليهم خيراً في كل زمانهم وكل حال أمرهم فلما ذكرتني جعلت تثني علي خيراً في صغري وسكت عما سوى ذلك من أمري فما الذي أحدثت في آخر عمري فقال آصف : إن غير الله تعالى يعبد في دارك، فقال سليمان عليه السلام : إنا لله وإنا إليه راجعون لقد عرفت أنك ما قلت الذي قلت إلا عن شيء بلغك، ثم رجع سليمان عليه السلام إلى داره فكسر الصورة وعاقب تلك المرأة وولائدها، وخرج وحده إلى فلاة ففرش الرماد وجلس عليه تائباً إلى الله تعالى.
وكانت له أم ولد يقال لها : الأمينة إذا دخل للطهارة أو لإصابة امرأة وضع خاتمه عندها وكان ملكه فيه فوضعه عندها يوماً، فأتاها الشيطان صاحب البحر واسمه صخر على صورة
٥٠١
سليمان عليه السلام وقال لها : يا أمينة خاتمي فناولته الخاتم وتختم به وجلس على كرسي سليمان عليه السلام فعكف عليه الطير والجن والإنس وتغيرت صفة سليمان عليه السلام، فأتى الأمينة يطلب الخاتم فأنكرته فعرف أن الخطيئة قد أدركته فكان يدور على البيوت يتكفف وإذا قال : أنا سليمان حثوا عليه التراب وسبوه وأخذ ينقل السمك للسماكين فيعطونه كل يوم سمكتين فإذا أمسى باع إحداها بأرغفة وشوى الأخرى فأكلها فمكث كذلك أربعين صباحاً مدة ما كان عبد الوثن في داره فأنكر آصف وعظماء بني إسرائيل حكم الشيطان.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٩٧
وسأل آصف نساء سليمان عليه السلام فقلن : ما يدع امرأة في دمها ولا يغتسل من جنابة فقال آصف : إنا لله وإنا إليه راجعون إن هذا لهو البلاء المبين، ثم خرج على بني إسرائيل فقال : ما في الخاصة أعظم مما في العامة فلما مضى أربعون صباحاً طار الشيطان وقذف الخاتم في البحر فابتلعته سمكة فأخذها بعض الصيادين وقد عمل له سليمان عليه السلام بسمكتين صدر يومه ذلك حتى إذا كان العشي أعطاه سمكتيه فأعطى السمكة التي أخذت الخاتم، وخرج سليمان عليه السلام بسمكتيه فباع السمكة التي ليس في بطنها الخاتم بالأرغفة ثم عمد إلى السمكة الأخرى فبقرها ليشويها فاستقبله الخاتم في جوفها فأخذه فجعله في يده ووقع ساجداً، وعكفت عليه الطير والجن والأنس ورجع إلى ملكه وأخذ ذلك الشيطان وحبسه في صخرة وألقاه في البحر هذا ملخص حديث وهب، وقال الحسن : ما كان الله ليسلط الشيطان على نسائه.


الصفحة التالية
Icon