﴿إن هذا﴾ أي : المشار إليه إشارة الحاضر الذي لا يغيب ﴿لرزقنا ما له من نفاد﴾ أي : انقطاع وهذا إخبار عن دوام هذا الثواب.
تنبيه : من نفاد فاعل ومن مزيدة والجملة في محل نصب على الحال من رزقنا أي : غير نافد ويجوز أن يكون خبراً ثانياً لأن أي : دائم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٠٧
ولما وصف تعالى ثواب المؤمنين وصف بعده عقاب الظالمين ليكون الوعيد مذكوراً عقب الوعد والترغيب عقب الترهيب بقوله تعالى :
﴿هذا وإن للطاغين لشر مآب﴾ أي : مرجع هذا في مقابلة قوله تعالى :﴿وإن للمتقين لحسن مآب﴾ (ص : ٤٩)
والمراد بالطاغين الكفار، وقال الجبائي : على مذهبه الفاسد هم أصحاب الكبائر سواء كانوا كفاراً أم لا واحتج الأول بأن هذا ذم مطلق فلا يحمل إلا على الكامل في الطغيان وهو الكافر، واحتج هو بقوله تعالى :﴿إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى﴾ (العلق : ٦ ـ ٧)
فدل على أن الوصف بالطغيان قد يحصل لصاحب الكبيرة لأن من تجاوز حد تكاليف الله تعالى وتعداها فقد طغى ورد هذا بأن المراد بالإنسان هنا هو الكافر أيضاً.
تنبيه : هذا يحتمل أن يكون مبتدأ والخبر مقدر أي : كما ذكر، كما قدره الزمخشري، وقدره أبو علي بقوله : هذا للمؤمنين، وقال الجلال المحلي : هذا المذكورة للمؤمنين ويحتمل أن يكون خبر متبدأ مضمر أي : الأمر هذا وقوله تعالى :
﴿جهنم﴾ أي : الشديدة الإضطرام الملاقية لمن يدخلها بغاية العبوسة والتجهم فيه إعراب جنات المتقدم، وقوله تعالى :﴿يصلونها﴾ أي : يدخلونها فيباشرون شدائدها حال من جهنم ﴿فبئس المهاد﴾ أي : المهد والفراش مستعار من فرش النائم، وهذا معنى قوله تعالى ﴿لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش﴾ (الأعراف : ٤١)
شبه الله تعالى ما تحتهم من النار بالمهاد الذي يفرش للنائم، والمخصوص بالذم محذوف أي : هي وفي قوله تعالى :
﴿هذا﴾ أي : العذاب المفهوم مما بعده أوجه من الإعراب أحدها : أنه خبر مبتدأ مضمر أي : الأمر هذا، ثم استأنف أمر إقفال ﴿فليذوقوه﴾ ثانيها : أنه مبتدأ أو خبره ﴿حميمٌ وغساقٌ﴾ واسم الإشارة يكتفي بواحده في المثنى كقوله تعالى :﴿عوان بين ذلك﴾ (البقرة : ٦٨)
أو يكون المعنى : هذا جامع بين الوصفين ويكون قوله تعالى :﴿فليذوقوه﴾ جملة اعتراضية. ثالثها : أنه مبتدأ والخبر محذوف أي : هذا كما ذكر وهذا للطاغين وقيل غير ذلك، وقيل : هذا على التقديم والتأخير والتقدير : هذا حميم وغساق فليذوقوه وقيل التقدير : جهنم يصلونها فبئس المهاد هذا فليذوقوه ثم يبتدئ فيقول : حميم وغساق أي : منه حميم وغساق، والحميم : الحار الذي انتهى حره، والغساق : ما يسيل من صديد أهل النار، وقال كعب : هو عين في جهنم يسيل إليها كل ذوب حية وعقرب، وقال أبو عمرو : هو القيح الذي يسيل من أهل النار
٥١١
فيجتمع فيسقونه، وقال قتادة : هو ما يغسق أي : يسيل من القيح والصديد من جلود أهل النار ولحومهم وفروج الزناة، وقيل : هو المنتن بلغة الترك، حكى الزجاج لو قطرت منه قطرة بالمغرب لأنتنت أهل المشرق، وقرأ حمزة والكسائي وحفص بتشديد السين والباقون بالتخفيف وقرأ أبو عمرو :
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٠٧
وأخر﴾ بضم الهمزة على جمع أخرى مثل الكبرى والكبر أي : أصناف أخر من العذاب ﴿من شكله﴾ أي : مثل المذكور من الحميم والغساق، والباقون بفتح الهمزة ممدودة على التوحيد على أنه لما ذكروا، اختار أبو عبيدة الجمع لأنه تعالى نعته بالجمع فقال سبحانه وتعالى :﴿أزواج﴾ أي : أصناف أي : عذابهم من أنواع مختلفة، ويقال لهم عند دخولهم النار بأتباعهم :
﴿هذا فوج﴾ أي : جمع كثيف ﴿مقتحم﴾ أي : داخل ومفعوله محذوف أي : مقتحم النار ﴿معكم﴾ بشدة، فيقول المتبوعون :﴿لا مرحباً بهم﴾ أي : لاسعة عليهم أو لا سمعوا مرحباً وقولهم :﴿إنهم صالو النار﴾ أي : داخلون النار بأعمالهم مثلنا تعليل لاستجابة الدعاء عليهم ونظير هذه الآية قوله تعالى :﴿كلما دخلت أمة لعنت أختها﴾ (الأعراف : ٣٨)
وقال الكلبي : إنهم يضربون بالمقامع حتى يوقعوا أنفسهم في النار خوفاً من تلك المقامع.
﴿قالوا﴾ أي : الأتباع ﴿بل أنتم لا مرحباً بكم﴾ أي : إن الدعاء الذي دعوتم به علينا أيها الرؤساء أنتم أحق به منا وعللوا ذلك بقولهم ﴿أنتم قدمتموه﴾ أي : الكفر ﴿لنا﴾ أي : بدأتم به قبلنا وشرعتموه وسننتموه لنا، وقيل : أنتم قدمتم هذا العذاب لنا بدعائكم إيانا إلى الكفر ﴿فبئس القرار﴾ أي : النار لنا ولكم.
﴿قالوا﴾ أي : الأتباع أيضاً ﴿ربنا من قدم لنا هذا﴾ أي : شرعه وسنه لنا ﴿فزده عذاباً ضعفاً﴾ أي : مثل عذابه على كفره ﴿في النار﴾ قال ابن مسعود : يعني حيات وأفاعي.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٠٧
﴿وقالوا﴾ أي : الطاغون وهم في النار ﴿ما لنا لا نرى رجالاً كنا نعدهم من الأشرار﴾ يعنون فقراء المؤمنين كعمار وخباب وصهيب وبلال وسلمان الذين كانوا يسترذلونهم ويسخرون بهم وقولهم :