﴿إلى يوم الوقت المعلوم﴾ أي : وقت النفخة الأولى فيموت فيها فلم يجبه إلى دعائه كما قال تعالى :﴿وما دعاء الكافرين إلا في ضلال﴾ (الرعد : ١٤)
ومعنى المعلوم : أنه معلوم عند الله تعالى معين لا يتقدم ولا يتأخر فلما أنظره الله تعالى إلى ذلك الوقت.
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥١٢
قال فبعزتك﴾ أقسم بعزة الله تعالى وهي قهره وسلطانه ﴿لأغوينهم أجمعين﴾ ثم استثنى من ذلك ما ذكره الله بقوله :
﴿إلا عبادك منهم المخلصين﴾ أي : الذين أخلصهم الله تعالى لطاعته وعصمهم من إضلاله أو أخلصوا قلوبهم على اختلاف القراءتين فإن نافعاً والكوفيين قرؤوا بفتح اللام بعد الخاء والباقون بالكسر.
تنبيه : قيل إن غرض إبليس من هذا الاستثناء أنه لا يقع في كلامه الكذب لأنه لو لم يذكر هذا الاستثناء وادعى أنه يغوي الكل لظهر كذبه حين يعجز عن إغواء عباد الله تعالى المخلصين وعند هذا يقال : إن الكذب شيء يستنكف منه إبليس فليس يليق بالمسلم وهذا يدل على أن إبليس لا يغوي عباد الله تعالى المخلصين، وقد قال تعالى في صفة يوسف عليه السلام ﴿إنه من عبادنا المخلصين﴾ (يوسف : ٢٤)
فتحصل من مجموع الآيتين أن إبليس ما أغوى يوسف عليه السلام وما نسب إليه من القبائح كذب وافتراء.
ولما قال إبليس ذلك :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥١٢
﴿قال﴾ تعالى :﴿فالحقُ﴾ أي : فبسبب إغوائك وغوايتهم أقول الحق ﴿والحقَ أقول﴾ أي : لا أقول إلا الحق فإن كل شيء قلته ثبت فلم يقدر أحد على نقضه ولا نقصه، وقرأ عاصم وحمزة برفع الأول ونصب الثاني، والباقون بنصبهما فنصب الثاني بالفعل بعده ونصب الأول بالفعل المذكور، أو على الإغراء أي : الزموا الحق، أو على المصدر أي : أحق الحق، أو على نزع حرف القسم ورفعه على أنه مبتدأ محذوف الخبر أي : فالحق مني أو فالحق قسمي وجواب القسم.
﴿لأملأن جهنم منك﴾ أي : بنفسك وذريتك ﴿وممن تبعك منهم﴾ أي : من الناس، وقوله تعالى :﴿أجمعين﴾ فيه وجهان أظهرهما أنه توكيد للضمير في منك ولمن عطف عليه في قوله تعالى :﴿وممن تبعك﴾ والمعنى : لأملأن جهنم من المتبوعين والتابعين لا أترك منهم أحداً، وجوز الزمخشري أن يكون تأكيداً للضمير في منهم خاصة فقدر لأملأن جهنم من الشياطين وممن تبعهم من جميع الناس لا تفاوت في ذلك بين ناس وناس، ثم قال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم
﴿قل﴾ أي : لقومك ﴿ما أسألكم عليه﴾ أي : على تبليغ الرسالة أو القرآن ﴿من أجر﴾ أي : جعل ﴿وما أنا من المتكلفين﴾ أي : المتصفين بما لست من أهله على ما عرفتم من حالي فانتحل النبوة وأتقوّل القرآن وكل من قال شيئاً من تلقاء نفسه فهو متكلف له، وعن مسروق قال : دخلنا على عبد الله بن مسعود فقال : يا أيها الناس من علم شيئاً
٥١٧
فليقل به ومن لم يعلم فليقل الله أعلم، فإن من العلم أن يقول من لا يعلم : الله أعلم قال الله تعالى لنبيه ﷺ ﴿قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين﴾ وقيل المعنى : إن هذا الذي أدعوكم إليه ليس يحتاج في معرفة صحته إلى التكلفات الكثيرة بل هو دين يشهد صريح العقل بصحته.
﴿إن﴾ أي : ما ﴿هو﴾ أي : القرآن ﴿إلا ذكر﴾ أي : عظة وشرف ﴿للعالمين﴾ أي : للخلق أجمعين.
﴿ولتعلمن﴾ جواب قسم مقدر ومعناه لتعرفن يا كفار مكة ﴿نبأه﴾ أي : خبر صدقه وهو ما فيه من الوعد والوعيد أو صدقه بإتيان ذلك ﴿بعد حين﴾ قال ابن عباس وقتادة : بعد الموت، وقال عكرمة : يوم القيامة، وقال الحسن : ابن آدم عند الموت يأتيك الخبر اليقين، وقول البيضاوي تبعاً للزمخشري عن النبي ﷺ "من قرأ سورة ص كان له بوزن كل جبل سخره الله تعالى لداود عشر حسنات وعصمه أن يصر على ذنب صغير أو كبير" حديث موضوع.
٥١٨
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥١٧