سورة الزمر
مكية إلا قوله تعالى :﴿قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم﴾الآية فمدنية وهي خمس وسبعون آية وألف ومائة واثنتان وتسعون كلمة وأربعة آلاف وسبعمائة وثمانية أحرف
﴿بسم الله﴾ الذي له صفات الكمال ﴿الرحمن﴾ الذي أنعم على عباده بأنواع النعم ﴿الرحيم﴾ بأنواع المغفرة على المؤمنين من عباده.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥١٨
﴿تنزيل الكتاب﴾ أي : القرآن مبتدأ، وقوله تعالى :﴿من الله﴾ أي : المتصف بجميع صفات الكمال خبره أي : تنزيل الكتاب كائن من الله تعالى، وقيل : تنزيل الكتاب خبر مبتدأ مضمر تقديره هذا تنزيل الكتاب من الله ﴿العزيز﴾ أي : الغالب في ملكه ﴿الحكيم﴾ أي : في صنعه ففي ذلك دلالة على أنه تعالى عالم بجميع المعلومات غني عن جميع الحاجات، فإن قيل : إن الله تعالى وصف القرآن بكونه تنزيلاً ومنزلاً وهذا الوصف لا يليق إلا بالمحدث المخلوق. أجيب : بأن ذلك
٥١٩
محمول على الصيغ والحروف.
﴿إنا﴾ أي : بما لنا من العظمة ﴿أنزلنا عليك﴾ يا أشرف الخلق خاصة بواسطة جبريل الملك ﴿الكتاب﴾ أي : القرآن الجامع لكل خير وقوله تعالى :﴿بالحق﴾ يجوز أن يتعلق بالإنزال أي : بسبب الحق وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال من الفاعل أو المفعول وهو الكتاب أي : ملتبسين بالحق أو ملتبساً بالحق والصدق والصواب، والمعنى : أن كل ما فيه من إثبات التوحيد والنبوة والمعاد وأنواع التكاليف فهو حق يجب العمل به، وفي قوله تعالى :﴿إنا أنزلنا إليك الكتاب﴾ تكرير تعظيم بسبب إبرازه في جملة أخرى مضافاً إنزاله إلى المعظم نفسه، فإن قيل : لفظ تنزيل يشعر بأنه تعالى أنزله نجماً نجماً على وفق المصالح على سبيل التدريج ولفظ الإنزال يشعر بأنه تعالى أنزله دفعة واحدة. أجيب : بأن طريق الجمع أن يقال : إنا حكمنا حكماً كلياً بأنا نوصل إليك هذا الكتاب وهذا هو الإنزال ثم أوصلناه إليك نجماً نجماً على وفق المصالح.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥١٩
ولما بين تعالى أن هذا الكتاب مشتمل على الحق والصدق أردفه ببيان بعض ما فيه من الحق والصدق، وهو أن يشتغل الإنسان بعبادة الله تعالى على سبيل الإخلاص فقال سبحانه وتعالى :﴿فاعبد الله﴾ أي : الحائز لجميع صفات الكمال حال كونك ﴿مخلصاً له الدين﴾ أي : ممحضاً له الدين من الشرك والرياء بالتوحيد وتصفية السر.
﴿ألا لله﴾ أي : الملك الأعلى وحده ﴿الدين الخالص﴾ أي : لا يستحقه غيره فإنه المنفرد بصفات الألوهية والاطلاع على الأسرار والضمائر، قال قتادة : الدين الخالص شهادة أن لا إله إلا الله، وقال مجاهد : الآية متناولة لكل ما كلف الله به من الأوامر والنواهي لأن قوله تعالى :﴿فاعبد الله﴾ عام وروي أن امرأة الفرزدق لما قربت وفاتها أوصت أن يصلي الحسن البصري عليها، فلما دفنت قال الحسن البصري : يا أبا فراس ما الذي أعددت لهذا الأمر ؟
قال : شهادة أن لا إله إلا الله، فقال الحسن هذا العمود فأين الطنب ؟
قال ابن عادل فبين بهذا اللفظ الوجيز أن عمود الخيمة لا ينتفع به إلا مع الطنب حتى يمكن الانتفاع بالخيمة أي : الانتفاع الكامل وإلا فهي ينتفع بها ولكن رأس العبادات الإخلاص في التوحيد واتباع الأوامر واجتناب النواهي.
﴿والذين اتخذوا من دونه﴾ أي : من دون الله ﴿أولياء﴾ وهم كفار مكة اتخذوا الأصنام وقالوا ﴿ما نعبدهم﴾ أي : لشيء من الأشياء ﴿إلا ليقربونا إلى الله﴾ أي : الذي له معاقد العز ومجامع العظمة ﴿زلفى﴾ وذلك أنهم كانوا إذا قيل لهم من ربكم ومن خلقكم ومن خلق السموات والأرض قالوا : الله فيقال : فما عبادتكم لهم قالوا : ليقربونا إلى الله زلفى أي : قربى، وهو اسم أقيم مقام المصدر كأنهم قالوا : إلا ليقربونا إلى الله تعالى تقريباً حسناً سهلاً وتشفع لنا عند الله تعالى :
﴿إن الله﴾ أي : الذي له جميع صفات الكمال ﴿يحكم بينهم﴾ أي : وبين المسلمين ﴿فيما هم فيه يختلفون﴾ أي : من أمر الدين فيدخل المؤمنين الجنة والكافرين النار ﴿إن الله﴾ أي : الملك القادر ﴿لا يهدي﴾ أي : لا يرشد ﴿من هو كاذب﴾ أي : في قوله إن الآلهة تشفع لهم مع علمهم بأنها جمادات خسيسة وفي نسبة الولد إلى الله تعالى ﴿كفار﴾ أي : بعبادته غير الله تعالى.
﴿لو أراد الله﴾ أي : الذي له الإحاطة بصفات الكمال ﴿أن يتخذ ولداً﴾ أي : كما قالوا اتخذ الرحمن ولداً ﴿لاصطفى﴾ أي : اختار ﴿مما يخلق ما يشاء﴾ أي : اتخذ ولداً غير من قالوا الملائكة
٥٢٠
بنات الله وعزير ابن الله والمسيح ابن الله، كما قال تعالى ﴿لو أردنا أن نتخذ لهواً﴾ أي : كما زعموا ﴿لاتخذناه من لدنا﴾ (الأنبياء : ١٧)
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥١٩
إذ لا موجود سواه إلا وهو مخلوقه ومن البين أن المخلوق لا يماثل الخالق فيقوم مقام الولد له.
ثم نزه نفسه سبحانه فقال تعالى شأنه ﴿سبحانه﴾ أي : تنزيهاً له عن ذلك وعما لا يليق بطهارته ثم أقام الدليل على هذا التنزيه المقتضي فقال تعالى :﴿هو﴾ أي : الفاعل لهذا الفعال القائل لهذه الأقوال ﴿الله﴾ أي : الجامع لجميع صفات الكمال ثم ذكر من الأوصاف ما هو كالعلة لذلك فقال :﴿الواحد﴾ أي : في ملكه الذي لا شريك له ولا ولد ولا والد له ﴿القهار﴾ أي : الغالب الكامل القدرة فكل شيء تحت قدرته.
ولما ثبتت هذه الصفات التي نفت أن يكون له شريك أو ولد وأثبتت له الكمال المطلق استدل على ذلك بقوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon