بأن يقولوا ﴿ربنا﴾ أي : أيها المحسن إلينا بالإيمان وغيره فهو معمول لقول مضمر في محل نصب على الحال من فاعل يستغفرون أو خبر بعد خبر ﴿وسعت كل شيء رحمة وعلماً﴾ أي : وسعت رحمتك كل شيء وعلمك كل شيء، فأزيل الكلام عن أصله بأن أسند الفعل إلى صاحب الرحمة والعلم وأخرجا منصوبين على التمييز للإغراق في وصفه بالرحمة والعلم كأنَّ ذاته رحمة وعلم واسعان كل شيء، وأكثر ما يكون الدعاء بذكر الرب لأن الملائكة قالوا في هذه الآية وقال آدم عليه السلام :﴿ربنا ظلمنا أنفسنا﴾ (الأعراف : ٢٣)
وقال نوح عليه السلام :﴿رب إن قومي كذبون﴾ (الشعراء : ١١٧)
وقال :﴿رب اغفر لي ولوالدي﴾ (إبراهيم : ٤١)
وقال إبراهيم عليه السلام :﴿رب أرني كيف تحيي الموتى﴾ (البقرة : ٢٦٠)
وقال :﴿ربنا واجعلنا مسلمين لك﴾ (البقرة : ١٢٨)
وقال يوسف عليه السلام :﴿رب قد آتيتني من الملك﴾ (يوسف : ١٠١)
وقال موسى عليه السلام :﴿رب أرني أنظر إليك﴾ (الأعراف : ١٤٣)
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٥٩
وقال :﴿رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي﴾ (القصص : ١٦)
وقال سليمان عليه السلام :﴿رب اغفر لي وهب لي ملكاً﴾ (ص : ٣٥)
وقال عيسى عليه السلام :﴿ربنا أنزل علينا مائدة من السماء﴾ (المائدة : ١١٤)
وقال تعالى لمحمد ﷺ ﴿وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين﴾ (المؤمنون : ٩٧)، فإن قيل : لفظ الله أعظم من لفظ الرب فلم خص لفظ رب بالدعاء ؟
أجيب : بأن العبد يقول : كنت في العدم المحض والنفي الصرف فأخرجتني إلى الوجود وربيتني فاجعل تربيتك وإحسانك سبباً لإجابة دعائي ﴿فاغفر للذين تابوا﴾ أي : رجعوا إليك عن ذنوبهم برحمتك لهم بأن تمحوها عيناً وأثراً فلا عقاب ولا عتاب ولا ذكر لها ﴿واتبعوا﴾ أي : كلفوا أنفسهم على مالها من العوج إن لزموا ﴿سبيلك﴾ المستقيم الذي لا لبس فيه. ولما كان الغفران قد يكون لبعض الذنوب وكان سبحانه وتعالى له أن يعذب من لا ذنب له وأن يعذب من غفر ذنبه قالوا :﴿وقهم عذاب الجحيم﴾ أي : اجعل بينهم وبينه وقاية بأن تلزمهم الاستقامة وتتم نعمتك عليهم فإنك وعدت من كان كذلك بذلك ولا يبدل القول لديك وإن كان يجوز أن تفعل ما تشاء وإن الخلق عبيدك، ولما طلبوا من الله سبحانه وتعالى إزالة العذاب عنهم وكان ذلك لا يستلزم الثواب قالوا مكررين صفة الإحسان زيادة في الرقة في طلب الامتنان.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٥٩
﴿ربنا﴾ أيها المحسن إلينا ﴿وأدخلهم جنات عدن﴾ أي : إقامة ﴿التي وعدتهم﴾ أي : إياها وقولهم :﴿ومن صلح﴾ معطوف على هم في وعدتهم وقدموا قولهم :﴿من آبائهم﴾ على قولهم :﴿وأزواجهم وذرياتهم﴾ لأن الآباء أحق الناس بالإجلال وقدموا الأزواج في اللفظ على الذرية لأنهم أشد إلصاقاً بالشخص وطلبوا لهم ذلك لأن الإنسان لا يتم نعيمه إلا بأهله، قال سعيد بن جبير : يدخل الجنة المؤمن فيقول : أين أبي أين ولدي وزوجتي ؟
فيقال له : إنهم لم يعملوا مثل عملك، فيقول : إني كنت أعمل لي ولهم، فيقال : أدخلوهم الجنة. ﴿إنك أنت﴾ أي : وحدك ﴿العزيز﴾ أي : فأنت تغفر لمن شئت ﴿الحكيم﴾ فكل فعلك في أتم مواضعه فلا يتهيأ لأحد نقضه ولا نقصه.
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٦٥
وقهم السيئات﴾ أي : بأن تجعل بينهم وبينها وقاية بأن تطهرهم من الأخلاق الحاملة عليها، فإن قيل : هذا مكرر مع قوله :﴿وقهم عذاب الجحيم﴾ ؟
أجيب : بأن التفاوت حاصل من وجهين : أحدهما : أن يكون قولهم وقهم عذاب الجحيم دعاء مذكوراً للأصول وقولهم : وقهم السيئات دعاء مذكوراً للفروع وهم الآباء والأزواج والذريات، ثانيهما : أن يكون قوله :﴿وقهم عذاب الجحيم﴾ مقصوراً على إزالة عذاب الجحيم وقوله :﴿وقهم السيئات﴾ يتناول عذاب
٥٦٥