ونصيباً منصوب بفعل مقدر يدل عليه قولهم مغنون وتقديره : هل أنتم دافعون عنا نصيباً، وقيل : منصوب على المصدر، قال البقاعي : كما كان شيئاً كذلك ألا ترى إلى قوله تعالى :﴿لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً﴾ في موضع غني فكذلك نصيباً ومن النار صفة لنصيباً.
﴿قال الذين استكبروا﴾ أي : من شدة ما هم فيه ﴿إنا كل﴾ أي : نحن وأنتم ﴿فيها﴾ فكيف نغني عنكم ولو قدرنا أغنينا عن أنفسنا ﴿إن الله﴾ أي : المحيط بأوصاف الكمال ﴿قد حكم﴾ بالعدل ﴿بين العباد﴾ أي : فأدخل أهل الجنة دارهم وأهل النار دارهم فلا يغني أحد عن أحد شيئاً فعند ذلك يحصل اليأس للأتباع من المتبوعين فيرجعون كلهم إلى خزنة جهنم يسألونهم كما حكى الله عنهم بقوله سبحانه وتعالى :
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٨٠
وقال الذين في النار﴾
أي : جميعاً الأتباع والمتبوعون ﴿لخزنة جهنم﴾ أي : لخزنتها فوضع جهنم موضع المضمر للتهويل أو لبيان محلهم فيها، قال البيضاوي : ويحتمل أن تكون جهنم أبعد دركاتها من قولهم بئر جهنام أي : بكسر الجيم والهاء وتشديد النون بعيد القعر، وقال بعض أهل اللغة : هي مشتقة من الجهومة وهي الغلظ سميت بذلك : لغلظ عذابها وهي عجمية منعت من الصرف للتعريف والعجمة، وقيل : عربية ومنعت من الصرف للتعريف والتأنيث ﴿ادعوا ربكم﴾ أي : المحسن إليكم بأنكم لا تجدون ألماً من النار ﴿يخفف عنا يوماً﴾ أي : قدر يوم ﴿من العذاب﴾ أي : شيئاً، فيوماً ظرف ليخفف ومفعول يخفف محذوف أي : يخفف عنا شيئاً من العذاب في يوم ويجوز أن يكون من العذاب هو المفعول ليخفف ومن تبعيضية ويوماً ظرفاً، سألوا أن يخفف عنهم بعض العذاب لا كله في يوم ما لا في كل يوم ولا في يوم معين.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٨٠
٥٨٣
﴿قالوا﴾ أي : الخزنة لهم ﴿أولم تك تأتيكم﴾ على سبيل التجدد شيئاً في أثر شيء ﴿رسلكم﴾ أي : الذين هم منكم وأنتم جديرون بالإصغاء إليهم والإقبال عليهم لأن الجنس إلى الجنس أميل والإنسان من مثله أقبل ﴿بالبينات﴾ أي : التي لا شيء أوضح منها أرادوا بذلك إلزامهم الحجة وتوبيخهم على إضاعتهم أوقات الدعاء وتعطيلهم أسباب الإجابة، وقرأ أبو عمرو بسكون السين والباقون بضمها وكذلك رسلنا ورسلهم ﴿قالوا﴾ أي : الكفار ﴿بلى﴾ أي : أتونا كذلك ﴿قالوا﴾ أي : الخزنة لهم ﴿فادعوا﴾ أي : أنتم فإنا لا نشفع لكافر ﴿وما دعاء الكافرين﴾ أي : الذين ستروا مرأى عقولهم عن أنوار الحق ﴿إلا في ضلال﴾ أي : ذهاب في غير طريق موصل كما كانوا هم في الدنيا كذلك فإن الدنيا مزرعة الآخرة، من زرع شيئاً في الدنيا حصده في الآخرة والآخرة ثمرة الدنيا لا تثمر إلا من جنس ما غرس في الدنيا وفي هذا إقناطهم عن الإجابة.
ولما ذكر تعالى وقاية موسى عليه السلام وذلك المؤمن من مكر فرعون وقومه منّ بقوله تعالى :
﴿إنا﴾ أي : بما لنا من العظمة ﴿لننصر رسلنا﴾ أي : على من عاداهم ﴿والذين آمنوا﴾ أي : اتسموا بهذا الوصف ﴿في الحياة الدنيا﴾ أي : بإلزامهم طريق الهدى الكفيلة بكل فوز وبالحجة والغلبة وإن غلبوا في بعض الأحيان، فإن العاقبة تكون لهم ولو بأن يقيض الله تعالى لأعدائهم من يقتص منهم ولو بعد حين وقل أن يتمكن أعداؤهم من كل ما يريدون منهم ﴿ويوم يقوم الأشهاد﴾ وهو جمع شاهد كصاحب وأصحاب والمراد بهم : من يقوم يوم القيامة للشهادة على الناس من الملائكة والأنبياء والمؤمنين، أما الملائكة فهم الكرام الكاتبون يشهدون للرسل بالتبليغ وعلى الكفار بالتكذيب، وأما الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فقال تعالى :﴿فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً﴾ (النساء : ٤١)
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٨٣
وأما المؤمنون فقال تعالى :﴿وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس﴾ (البقرة : ١٤٣)
وقوله تعالى :
﴿يوم﴾ بدل من يوم قبله أو بيان له أو نصب بإضمار أعني يوم ﴿لا تنفع الظالمين﴾ أي : الذين كانوا عريقين في وضع الأشياء في غير موضعها ﴿معذرتهم﴾ أي : اعتذارهم، فإن قيل : هذا يدل على أنهم يذكرون الأعذار ولكن تلك الأعذار لا تنفعهم فكيف هذا مع قوله تعالى :﴿ولا يؤذن لهم فيعتذرون﴾ (المرسلات : ٣٦)
أجيب : بأن هذا لا يدل على أنهم ذكروا الاعتذار بل ليس فيه إلا أن ليس عندهم عذر مقبول، وهذا لا يدل على أنهم ذكروه أم لا وأيضاً يوم القيامة يوم طويل فيعتذرون في وقت ولا يعتذرون في وقت آخر، وقرأ نافع والكوفيون بالياء التحتية والباقون بتاء الخطاب ﴿ولهم﴾ أي : خاصة ﴿اللعنة﴾ أي : البعد عن كل خير مع الإهانة بكل ضير ﴿ولهم﴾ أي : خاصة ﴿سوء الدار﴾ أي : الآخرة أي : أشد عذابها.
ولما بين تعالى أنه ينصر الأنبياء والمؤمنين في الدنيا والآخرة ذكر نوعاً من أنواع تلك النصرة في الدنيا فقال تعالى :


الصفحة التالية
Icon