كذلك تقع إذ موقعها وقوله تعالى :﴿والسلاسل﴾ عطف على الأغلال، فتكون في الأعناق، والسلسلة معروفة، أو مبتدأ خبره محذوف تقديره في أرجلهم وخبره ﴿يسحبون﴾ والعائد محذوف أي : بها والسحب الجر بعنف، والسحاب من ذلك لأن الريح تجره أو أنه يجر الماء ﴿في الحميم﴾ أي : الماء الحار الذي يكسب الوجوه سواداً والأعراض عاراً والأرواح عذاباً والأجسام ناراً ﴿ثم في النار يسجرون﴾ أي : يلقون فيها وتوقد بهم مكردسين كما يسجر التنور بالحطب، كما قال تعالى :﴿وقودها الناس والحجارة﴾ (البقرة : ٢٤)
والسجير الخليل الذي يسجر في مودة خليله، كقولهم : فلان يحترق في مودة فلان، هذه كيفية عقابهم.
﴿ثم قيل لهم﴾ تبكيتاً أي : بعد أن طال عذابهم وبلغ منهم كل مبلغ ولم يجدوا ناصراً يخلصهم ولا شافعاً يخصصهم ﴿أين﴾ وأكد التعبير عنهم بأداة ما لا يعقل في قوله تعالى :﴿ما كنتم﴾ أي : دائماً ﴿تشركون﴾ ﴿من دون الله﴾ أي : معه وهي الأصنام ﴿قالوا ضلوا﴾ أي : غابوا ﴿عنا﴾ فلا نراهم كما ضللنا نحن في الدنيا عما ينفعنا وذلك قبل أن تقرن آلهتهم أو ضاعوا عنا فلم نجد منهم ما كنا نتوقع منهم ﴿بل لم نكن ندعو﴾ أي : لم يكن ذلك في طباعنا ﴿من قبل﴾ أي : قبل هذه الإعادة ﴿شيئاً﴾ لنكون قد أشركنا به أنكروا عبادتهم إياها كقولهم في سورة الأنعام :﴿والله ربنا ما كنا مشركين﴾ (الأنعام : ٢٣)
وقال الحسن بن الفضل : أي : لم نكن نصنع من قبل شيئاً، أي : ضاعت عبادتنا لها كما يقول من ضاع عمله ما كنت أعمل شيئاً ثم يقرنون بآلهتهم كما قال تعالى :﴿إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم﴾ (الأنبياء : ٩٨)
أي : وقودها ﴿كذلك﴾ أي : مثل إضلال هؤلاء المكذبين ﴿يضل الله﴾ أي : المحيط علماً وقدرة عن القصد النافع من حجة وغيرها ﴿الكافرين﴾ أي : الذين ستروا مرائي بصائرهم لئلا ينجلي فيها الحق ثم صار لهم ذلك ديدناً.
﴿ذلكم﴾ أي : الجزاء العظيم ﴿بما كنتم﴾ أي : دائماً ﴿تفرحون﴾ أي : تبالغون في السرور وتستغرقون فيه ﴿في الأرض بغير الحق﴾ من الإشراك وإنكار البعث فأشعر ذلك أن السرور لا ينبغي إلا إذا كان مع كمال هذه الحقيقة وهي الثبات دائماً للمفروح به وذلك لا يكون إلا في الجنة ﴿وبما﴾ أي : وبسبب ما ﴿كنتم تمرحون﴾ أي : تبالغون في الفرح مع الأشر والبطر والنشاط الموجب للاختيال والتبختر والخفة بعدم احتمال الفرح.
تنبيه : قوله تعالى :﴿تفرحون وتمرحون﴾ من باب التحنيس المحرف وهو أن يقع الفرق بين اللفظين بحرف.
٥٩٣
ولما كان السياق لذم الجدال وكان الجدال إنما يكون عن الكبر قال تعالى :
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٩١
ادخلوا﴾ أي : أيها المكذبون ﴿أبواب جهنم﴾ أي : الأبواب السبعة المقسومة لكم قال تعالى :﴿لها سبعة أبواب﴾ (الحجر : ٤٤)
لكل باب منهم جزء مقسوم، وسميت : جهنم لأنها تلقى صاحبها بتكبر وعبوس وتجهم ﴿خالدين فيها﴾ أي : مقدرين الخلود ﴿فبئس مثوى﴾ أي : مأوى ﴿المتكبرين﴾ أي : عن الحق والمخصوص بالذم محذوف أي : مثواكم، فإن قيل : كان قياس النظم أن يقول : فبئس مدخل المتكبرين كما تقول : زرت بيت الله فنعم المزار وصليت في المسجد فنعم المصلى ؟
أجيب : بأن الدخول لا يدوم وإنما يدوم المثوى فلذلك خصه بالذم وإن كان الدخول أيضاً مذموماً.
ولما زيف تعالى طريقة المجادلين في آيات الله أمر نبيه ﷺ بالصبر بقوله :
﴿فاصبر﴾ أي : على أذاهم بسبب المجادلة وغيرها ﴿إن وعد الله﴾ أي : الجامع لصفات الكمال ﴿حق﴾ أي : بنصرتك في الدارين فلا بد من وقوعه ﴿فإما نرينك﴾ قال الزمخشري : أصله فإن نرك وما مزيدة لتأكيد معنى الشرط ولذلك ألحقت النون بالفعل ألا تراك لا تقول : إن تكرمني أكرمك ولكن إما تكرمني أكرمك، قال أبو حيان : وما ذكره من تلازم النون وما الزائدة ليس مذهب سيبويه إنما هو مذهب المبرد والزجاج ونص سيبويه على التخيير ﴿بعض الذي نعدهم﴾ به من العذاب في حياتك وجواب الشرط محذوف أي : فذاك ﴿أو نتوفينك﴾ أي : قبل تعذيبهم ﴿فإلينا يرجعون﴾ أي : فنعذبهم أشد العذاب فالجواب المذكور للمعطوف فقط.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٩١
﴿ولقد أرسلنا﴾ أي : بما لنا من العظمة ﴿رسلاً﴾ أي : بكثرة ﴿من قبلك﴾ إلى أممهم ليبلغوا عنا ما أمرناهم به ﴿منهم من قصصنا﴾ بما لنا من العظمة ﴿عليك﴾ أي : أخبارهم وأخبار أممهم ﴿ومنهم من لم نقصص عليك﴾ لا أخبارهم ولا أخبار أممهم ولا ذكرناهم لك بأسمائهم وإن كان لنا العلم التام والقدرة الكاملة، روي أن الله تعالى بعث ثمانية آلاف نبي أربعة آلاف من بني إسرائيل وأربعة آلاف من سائر الناس ﴿وما﴾ أي : أرسلناهم والحال أنه ما ﴿كان لرسول﴾ أصلاً ﴿أن يأتي بآية﴾ أي : ملجئة أو غير ملجئة مما يطلب الرسول استعجالاً لاتباع قومه له أو اقتراحاً من قومه عليه ﴿إلا بإذن الله﴾ أي : بأمره وتمكينه فإن له الإحاطة بكل شيء فلا يخرج شيء عن أمره وهم عبيد مربوبون.