ويجوز أن يكون ضميراً مبهماً مفسراً بسبع سموات، وسبع سموات حال على الأول، وتمييز على الثاني، وقوله تعالى :﴿في يومين﴾ قال أهل الأثر : إن الله تعالى خلق الأرض يوم الأحد والاثنين وخلق سائر ما في الأرض يوم الثلاثاء والأربعاء وخلق السموات وما فيها في يوم الخميس والجمعة وفرغ في آخر ساعة من يوم الجمعة فخلق آدم عليه السلام وهي الساعة التي تقوم فيها القيامة، ولذلك لم يقل هنا سواء ووافق هذا آيات خلق السموات والأرض في ستة أيام، وعن ابن عباس رضي الله عنه :"أن اليهود أتت النبي ﷺ فسألته عن خلق السموات والأرض فقال : خلق الله الأرض يوم الأحد والاثنين، وخلق الجبال وما فيهن من المنافع يوم الثلاثاء، وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمعايش والعمران والخراب فهذه أربعة، وخلق يوم الخميس السماء، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات بقين منه فخلق في أول ساعة من هذه الثلاثة الآجال حتى يموت من مات، وفي الثانية ألقى الآفة على كل شيء مما ينتفع به، وفي الثالثة خلق آدم فأسكنه الجنة وأمر إبليس بالسجود له وأخرجه منها في آخر ساعة قالت اليهود : ثم ماذا يا محمد ؟
قال : ثم استوى على العرش قالوا : قد أصبت لو أتممت قالوا : ثم استراح، فغضب النبي ﷺ غضباً شديداً فنزل ﴿ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب فاصبر على ما يقولون﴾ (ق : ٣٨ ـ ٣٩)، فإن قيل : اليوم عبارة عن النهار والليل وذلك إنما يحصل بطلوع الشمس وغروبها وقبل حدوث السموات والشمس والقمر كيف يعقل حصول اليوم ؟
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٦٠٥
أجيب : بأن معناه أنه مضى من المدة ما لو حصل هناك فلك وشمس لكان المقدار مقدار اليوم كما مر، وقضاء الشيء إتمامه والفراغ منه قال ابن جرير : وإنما سمي الجمعة لأن الله تعالى جمع فيه خلق آدم وخلق السموات والأرض أي : فرغ من ذلك وأتمه ﴿فأوحى﴾ أي : ألقى بطريق خفي وحكم بثبوت قوي ﴿في كل سماء أمرها﴾ أي : الأمر الذي دبرها ودبر منافعها به على نظام محكم لا يختل وزمام مبرم لا ينحل، وقال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما : خلق في كل سماء خلقها من الملائكة وما فيها من البحار وجبال البرد وما لا يعلمه إلا الله تعالى. وقال السدي : يعني خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها ولله في كل سماء بيت تحج إليه وتطوف به الملائكة كل واحد منها مقابل للكعبة بحيث لو وقعت منه حصاة لوقعت على الكعبة.
ولما عم خص التي تلينا إشارة إلى تشريفنا فقال تعالى صارفاً القول إلى مظهر العظمة تنبيهاً على ما في هذه الآية من العظم ﴿وزينا﴾ أي : بما لنا من العظمة ﴿السماء الدنيا﴾ أي : القربى
٦٠٦
إليكم لأجلكم ﴿بمصابيح﴾ وهي النيرات التي خلقها الله في السموات وخص كل واحدة بضوء معين وسير معين وطبيعة معينة لا يعلمها إلا الله تعالى ولا ينافي كون الدنيا مزينة بذلك أن تكون النجوم في غيرها مما هو أعلى منها لأن السياق دل على أنها زينة.
وقوله تعالى :﴿وحفظاً﴾ في نصبه وجهان ؛ أحدهما : أنه منصوب على المصدر بفعل مقدر أي : وحفظناها بالثواقب من الكواكب حفظاً، والثاني : أنه مفعول من أجله على المعنى فإن التقدير : وخلقنا الكواكب زينة وحفظاً قال أبو حيان : وهو تكلف وعدول عن السهل البين، والمعنى : وحفظناها من الشياطين الذين يسترقون السمع بالشهب أو من الآفات ﴿ذلك﴾ أي : الأمر الرفيع والشأن البديع ﴿تقدير العزيز﴾ أي : الذي لا يغلبه شيء وهو يغلب كل شيء، ﴿العليم﴾ أي : المحيط علماً بكل شيء فالعزيز إشارة إلى كمال القدرة والعليم إشارة إلى كمال العلم.
ولما كان المتمادي على إعراضه كأنه جدد إعراضاً غير إعراضه الأول قال تعالى مفصلاً بعد قوله تعالى ﴿فأعرض أكثرهم﴾ :
﴿فإن أعرضوا﴾ أي : استمروا على إعراضهم بعد هذا الشأن أو أعرض غيرهم عن قبول ما جئتهم به من الذكر بعد هذا البيان الواضح في هذه الآيات التي دلت على الوحدانية والعلم والقدرة وغيرها من صفات الكمال أتم دلالة ﴿فقل﴾ أي : لهم ﴿أنذرتكم صاعقة﴾ أي : فحذرهم أن يصيبهم عذاب شديد الوقع كأنه صاعقة ﴿مثل صاعقة عاد وثمود﴾ وقال المبرد : الصاعقة المرة المهلكة لأي شيء كان والإنذار التخويف، وإنما خص هاتين القبيلتين لأن قريشاً كانوا يمرون على بلادهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٦٠٥