سئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن الاستقامة فقال : أن لا تشرك بالله شيئاً، وقال عمر رضي الله عنه، الاستقامة : أن تستقيم على الأمر والنهي ولا تروغ روغان الثعلب. وقال عثمان رضي الله عنه : أخلصوا العمل لله، وقال علي رضي الله عنه : أدوا الفرائض، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : استقاموا على أمر الله تعالى بطاعته واجتنبوا معصيته، وقال مجاهد وعكرمة : استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله حتى لحقوا بالله، وقال قتادة : كان الحسن إذا تلا هذه الآية قال : اللهم ربنا ارزقنا الاستقامة، وقال سفيان بن عبد الله الثقفي : قلت : يا رسول الله أخبرني بأمر أعتصم به قال :"قل ربي الله ثم استقم فقلت : ما أخوف ما تخاف علي، فأخذ رسول الله ﷺ بلسان نفسه فقال : هذا". قال أبو حيان : قال ابن عباس رضي الله عنهما : نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه.
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٦١٥
تتنزل عليهم الملائكة﴾ قال ابن عباس : عند الموت وقال قتادة : إذا قاموا من قبورهم، وقال وكيع بن الجراح : البشرى : تكون في ثلاثة مواطن عند الموت وفي القبر وعند البعث وهي ﴿ألا تخافوا﴾ قال مجاهد : لا تخافوا مما تقدمون عليه من أمر الآخرة ﴿ولا تحزنوا﴾ على ما خلفتم من أهل وولد فإنا نخلفكم في ذلك كله، وقال عطاء بن أبي رباح : لا تخافوا من ذنوبكم ولا تحزنوا فإني أغفرها لكم، والخوف غم يلحق لتوقع المكروه، والحزن يلحق لوقوعه من فوات نافع أو حصول ضار، والمعنى أن الله تعالى كتب لكم الأمن من كل غم فلن تذوقوه أبداً.
تنبيه : يجوز في أن : أن تكون المخففة أو الفسرة أو الناصبة، ولا ناهية على الوجهين الأولين، ونافية على الثالث ﴿وأبشروا﴾ أي : املؤوا صدوركم سروراً يظهر أثره على بشرتكم بتهلل
٦١٥
الوجه ويعم سائر الجسد ﴿بالجنة التي كنتم﴾ أي : كوناً عظيماً على ألسنة الرسل عليهم السلام ﴿توعدون﴾ أي : يتجدد لكم ذلك كل حين بالكتب والرسل.
تنبيه : فيما ذكر دلالة على أن المؤمن عند الموت وفي القبر وعند البعث يكون فارغاً من الأهوال والفزع الشديد.
فإن قيل : البشارة عبارة عن الخبر الأول بحصول المنافع فأما إذا أخبر الشخص بحصول المنفعة ثم أخبر ثانياً بحصولها كان الإخبار الثاني إخباراً ولا يكون بشارة والمؤمن قد يسمع بشارات الخير فإذا سمع المؤمن هذا الخبر من الملائكة وجب أن يكون هذا إخباراً ولا يكون بشارة فما السبب في تسمية هذا الخبر بشارة ؟
أجيب : بأن المؤمن قد يسمع بشارات الخير ولم يعلم بأن له الجنة فيكون ذلك بشارة، أما إذا علم أنه من أهل الجنة بإخبار نبي فإنه إذا سمع هذا الكلام من الملائكة فإنه يكون إخباراً.
ولما أثبتوا لهم الخير ونفوا عنهم الضير عللوه بقولهم :
﴿نحن أولياؤكم﴾ أي : أقرب الأقرباء إليكم فنحن نفعل معكم كل ما يمكن أن يفعله القريب ﴿في الحياة الدنيا﴾ نجلب لكم المسرات وندفع عنكم المضرات ونحملكم على جميع الخيرات، فنوقظكم من المنام ونحملكم على الصلاة والصيام ونبعدكم عن الآثام ضد ما تفعله الشياطين مع أوليائهم ﴿وفي الآخرة﴾ كذلك حيث تتعادى الأخلاء إلا الأتقياء.
قال السدي : تقول الملائكة عليهم السلام : نحن الحفظة الذين كنا معكم في الدنيا ونحن أولياؤكم في الآخرة. أي : لا نفارقكم حتى تدخلوا الجنة ﴿ولكم فيها﴾ أي : في الآخرة أي : في الجنة وقبل دخولها في جميع أوقات المحشر ﴿ما تشتهي﴾ ولو على أدنى وجوه الشهوات، كما يرشد إليه حذف المفعول ﴿أنفسكم﴾ من اللذائذ لأجل ما منعتموها من الشهوات في الدنيا ﴿ولكم فيها﴾ أي : في الآخرة ﴿ما تدعون﴾ أي : تتمنون من الدعاء بمعنى الطلب وهو أعم من القول، وقوله تعالى :
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٦١٥
نزلاً﴾ حال مما تدعون أي : هذا كله يكون لكم نزلاً كما يقدم إلى الضيف عند قدومه إلى أن يهيأ له ما يضاف به، وأما ما يعطون فهو مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
ولما كان من وحُوسب عُذِّب فلا يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله تعالى، أشار إلى ذلك بقوله تعالى :﴿من﴾ أي : كائن ذلك النزل من ﴿غفور﴾ له صفة المحو للذنوب عيناً وأثراً على غاية لا يمكن وصفها ﴿رحيم﴾ أي : بالغ الرحمة وهو الله تعالى، واختلف في تفسير قوله تعالى :