﴿وإذا أنعمنا﴾ أي : بما لنا من العظمة ﴿على الإنسان﴾ أي : الواقف مع نفسه نعمة تليق بعظمتنا ﴿أعرض﴾ أي : عن التعظيم لأمر الله تعالى والشفقة على خلق الله تعالى ﴿ونأى﴾ أي : أبعد بعداً جعل بيننا وبينه حجاباً عظيماً ﴿بجانبه﴾ أي : ثنى عطفه متبختراً ﴿وإذا مسه الشر﴾ أي : هذا النوع قليله وكثيره ﴿فذو دعاء﴾ أي : في كشفه وربما كان نعمة باطنة وهو لا يشعر ولا يدعو إلا عند المس، وقد كان ينبغي له أن يشرع في الدعاء عند التوقع بل قبله تعرفاً إلى الله تعالى في الرخاء ليعرفه في الشدة وهو خلق شريف لا يفعله إلا أفراد خصهم الله بلطفه ﴿عريض﴾ أي : مديد العرض جداً وأما طوله فلا يسئل عنه، وهذا كناية عن النهاية في الكثرة، تقول العرب أطال فلان الدعاء وأعرض أي : أكثر، ثم أمر الله تعالى نبيه محمداً ﷺ بقوله تعالى :
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٦٢٢
قل﴾
أي : لهؤلاء المعرضين ﴿أرأيتم﴾ أي : أخبروني ﴿إن كان﴾ أي : هذا القرآن ﴿من عند الله﴾ الذي له الإحاطة بجميع صفات الجلال والجمال ﴿ثم كفرتم به﴾ أي : من غير نظر واتباع دليل ﴿من أضل﴾ منكم هكذا كان الأصل ولكنه قال :﴿ممن هو في شقاق﴾ أي : خلاف لأولياء الله تعالى ﴿بعيد﴾ أي : عن الحق تنبيها على أنهم صاروا كذلك ومن صار كذلك فقد عرض نفسه لسطوات الله عز وجل.
﴿سنريهم آياتنا في الآفاق﴾ قال ابن عباس : يعني منازل الأمم الخالية ﴿وفي أنفسهم﴾ أي : بالبلايا والأمراض، وقال قتادة : يعني وقائع الله تعالى في الأمم الخالية وفي أنفسهم يوم بدر، وقال مجاهد : في الآفاق ما يفتح الله تعالى من القرى على محمد ﷺ وفي أنفسهم فتح مكة، وقال عطاء : في الآفاق يعني : أقطار السموات والأرض من الشمس والقمر والنجوم في آفاق الليل والنهار والأضواء والظلال والظلمات والنبات والأشجار والأنهار وفي أنفسهم من لطائف الصنعة وبديع الحكمة في كيفية تكوين الأجنة في ظلمات الأرحام وحدوث الأعضاء العجيبة والتركيبات الغريبة كقوله تعالى :﴿وفي أنفسكم أفلا تبصرون﴾ (الذاريات : ٢١)
تنبيه : قال النووي في تهذيبه : قال أهل اللغة : الآفاق النواحي، الواحد أفق بضم الهمزة والفاء، وأفق بإسكان الفاء.
ولما كان التقدير ولا نزال نكرر عليهم هذه الدلائل عطف عليه ﴿حتى يتبين لهم﴾ غاية البيان بنفسه من غير إعمال فكر ﴿أنه﴾ أي : القرآن ﴿الحق﴾ أي : الكامل في الحقبة الذي يطابق الواقع
٦٢٤
المنزل من الله تعالى بالبعث والحساب والعقاب فيعاقبون على كفرهم به وبالجائي به، وقيل : الضمير في أنه لدين الإسلام، وقيل : لمحمد ﷺ ﴿أولم يكف بربك﴾ أي : المحسن إليك بهذا البيان المعجز للأنس والجان شهادة بأن القرآن من عند الرحمن.
تنبيه : الباء زائدة للتأكيد كأنه قيل : أو لم تحصل الكفاية به ولا تكاد تزاد في الفاعل إلا مع كفى وقوله تعالى :﴿أنه على كل شيء شهيد﴾ بدل من ربك، والمعنى : أولم يكفهم في صدقك أن ربك لا يغيب عنه شيء ما وقد شهد لك فيه بالإعجاز لجميع الخلق بكل ما تضمنته آياته ونطقت به كلماته، ففيه أعظم بشارة بتمام الدين وظهوره على المعتدين.
ولما لم يبق بعد هذا التعنت مقال ولا شبهة أصلاً لضال، قال تعالى منادياً على من جحد واستمر على عناده :
﴿ألا إنهم﴾ أي : هؤلاء الكفرة ﴿في مرية﴾ أي : جحد وجدال وشك وضلال عن البعث ﴿من لقاء ربهم﴾ أي : المحسن إليهم بأن خلقهم ورزقهم لإنكارهم البعث، ثم كرر كونه قادراً على البعث وغيره بقوله تعالى :﴿ألا إنه﴾ أي : هذا المحسن إليهم ﴿بكل شيء﴾ أي : من الأشياء جملتها وتفصيلها كلياتها وجزئياتها أصولها وفروعها غيبتها وشهادتها ملكها وملكوتها ﴿محيط﴾ قدرة وعلماً بكثير الأشياء وقليلها كلياتها وجزئياتها فيجازيهم بكفرهم، وقول البيضاوي تبعاً للزمخشري عن النبي ﷺ "من قرأ السجدة أعطاه الله بكل حرف عشر حسنات" حديث موضوع.
٦٢٥
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٦٢٢


الصفحة التالية
Icon