سورة الشورى
مكية وهي ثلاث وخمسون آية وثمانمائة وست وستون كلمةوثلاثة آلاف وخمسمائة وثمانية وثمانون حرفاً
﴿بسم الله﴾ الذي أحاط بصفات الكمال ﴿الرحمن﴾ الذي عمت رحمته سائر عباده ﴿الرحيم﴾ الذي خص أولياءه بما ترضاه إلهيته من رحمته وقوله تعالى :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٦٢٥
﴿حم﴾ ﴿عسق﴾ تقدم الكلام في أمثال هذه الفواتح وسئل الحسن بن الفضل : لم قطع حم عسق ولم يقطع كهيعص ؟
فقال : لأنها سورة أولها حم فجرت مجرى نظائرها فكان حم مبتدأ وعسق خبره، ولأنهما عدا آيتين وأخواتها مثل كهيعص والمص والمر عدت آية واحدة. وقيل : لأن أهل التأويل لم يختلفوا في كهيعص وأخواتها أنها حروف تهج لا غير. واختلفوا في حم فأخرجها
٦٢٦
بعضهم من حيز الحروف وجعلها فعلاً، وقيل : معناها حم أي : قضى ما هو كائن، روى عكرمة عن ابن عباس أنه قال : ح حلمه م مجده ع علمه س سناؤه ق قدرته أقسم الله تعالى بها. وقال شهر بن حوشب وعطاء بن أبي رباح : ح : حرب قريش يعز فيها الذليل ويذل فيها العزيز في قريش، م : ملك يتحول من قوم إلى قوم، ع : عداوة لقريش يقصدهم سن سنين كسني يوسف تكون فيهم، ق : قدرة الله تعالى النافذة في خلقه. وروي عن ابن عباس أنه قال ليس من نبي صاحب كتاب إلا وأوحيت إليه حم عسق فلذلك قال تعالى :
﴿كذلك﴾ أي : مثل هذا الإيحاء العظيم الشأن ﴿يوحى إليك﴾ أي : ما دمت حياً لا يقطع ذلك عنك ﴿وإلى﴾ أي : وأوحى إلى ﴿الذين من قبلك﴾ أي : من الرسل الكرام والأنبياء الأعلام ومن جملة ما أوحى إليهم أن أمتك أكثر الأمم وأنك أشرف الأنبياء وأخذ على كل منهم العهد باتباعك وأن يكونوا من أنصارك وأتباعك وقوله تعالى :﴿الله﴾ أي : الذي له الإحاطة بأوصاف الكمال فاعل الإيحاء.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٦٢٦
ولما كان نفوذ الأمر دائراً على العزة والحكمة قال تعالى :﴿العزيز﴾ أي : الذي يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء ﴿الحكيم﴾ الذي يصنع ما يصنعه في أتقن محاله فلذلك لا يقدر أحد على نقض ما أبرمه ولا نقص ما أحكمه.
تنبيه : ما تقرر من أن الله تعالى فاعل الإيحاء هو على قراءة كسر الحاء من يوحي وهي قراءة غير ابن كثير، وأما على قراءة ابن كثير بفتح الحاء فيجوز أن يرتفع بفعل مضمر كأنه قيل : من يوحيه فقيل الله ك﴿يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال﴾ (النور : ٣٦ ـ ٣٧)
ويجوز أن يرتفع بالابتداء وما بعده خبر والجملة قائمة مقام الفاعل وأن يكون العزيز الحكيم خبرين أو نعتين والجملة من قوله تعالى :
﴿له ما في السموات﴾ أي : من الذوات والمعاني ﴿وما في الأرض﴾ كذلك خبر أول أو ثان على حسب ما تقدم في العزيز الحكيم، قال الزمخشري : لم يقل تعالى أوحى إليك ولكن قال : يوحي إليك على لفظ المضارع ليدل على أن إيحاء مثله عادة وكونه عزيزاً يدل على كونه قادراً على ما لا نهاية له، وكونه حكيماً يدل على كونه عالماً بجميع المعلومات غنياً عن جميع الحاجات وقوله تعالى :﴿ما في السموات وما في الأرض﴾ يدل على كونه متصفاً بالقدرة الكاملة النافذة في جميع أجزاء السموات والأرض على عظمتها وسعتها بالإيجاد والإعدام وأن ما في السموات وما في الأرض خلقه وملكه.
ولما كان العلو مستلزماً للقدرة قال تعالى :﴿وهو العلي﴾ على كل شيء علو رتبة وعظمة ومكانة لا علو مكان وملابسة ﴿العظيم﴾ بالقدرة والقهر والاستعلاء وقوله تعالى :
﴿تكاد السموات﴾ قرأه نافع والكسائي بالياء التحتية، والباقون بالفوقية وقوله تعالى ﴿يتفطرن﴾ أي : يشققن قرأه شعبة وأبو عمرو بعد الياء بنون ساكنة وكسر الطاء مخففة، والباقون بعد الياء بتاء فوقية مفتوحة وفتح الطاء مشددة وقوله تعالى :﴿من فوقهن﴾ في ضميره ثلاثة أوجه ؛ أحدها : أنه عائد على السموات أي : كل واحدة منهن تنفطر فوق التي تليها من عظمة الله تعالى أو من قول المشركين :﴿اتخذ الله ولداً﴾ (الكهف : ٤)
كما في سورة مريم أي : يبتدئ
٦٢٧
انفطارهن من هذه الجهة فمن : لابتداء الغاية متعلقة بما قبلها، الثاني : أنه يعود على الأرضين لتقدم ذكر الأرض، الثالث : أنه يعود على فرق الكفار والجماعات الملحدين قاله الأخفش الصغير، وقال الزمخشري : كلمة الكفر أي : على التفسير الثاني إنما جاءت من الذين تحت السموات فكان القياس أن يقال : ينفطرن من تحتهن أي : من الجهة التي جاءت منها الكلمة ولكنه بولغ في ذلك فجعلت مؤثرة في جهة الفوق، كأنه قيل : يكدن ينفطرن أي : من الجهة التي فوقهن دون الجهة التي تحتهن، ونظيره في المبالغة قوله عز وجل ﴿يصب من فوق رؤوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم﴾ (الحج : ١٩ ـ ٢٠)
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٦٢٦
فجعل الحميم مؤثراً في أجزائهم الباطنة ا. ه.
ولما بين تعالى أن سبب كيدودة انفطارهن جلال العظمة التي منها كثرة الملائكة وشناعة الكفر، بين لها سبباً آخر وهو عظم قول الملائكة فقال تعالى :﴿والملائكة يسبحون﴾ أي : يوقعون التنزيه لله تعالى متلبسين ﴿بحمد ربهم﴾ أي : بإثبات الكمال للمحسن إليهم تسبيحاً يليق بحالهم فلهم بذلك زجل وأصوات لا تحملها العقول ولا تثبت لها الجبال.
تنبيه : عدل عن التأنيث ولم يقل يسبحن مراعاة للفظ التذكير وضمير الجمع، إشارة إلى قوة التسبيح وكثرة المسبحين، فإن قيل : قوله تعالى :﴿ويستغفرون لمن في الأرض﴾ عام فيدخل فيه الكفار ولقد لعنهم الله تعالى فقال سبحانه :﴿أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين﴾ (البقرة : ١٦١)