أي : جبل في رأسه نار شبهت به أخاها. روي أن النبي ﷺ "استنشد قصيدتها هذه فلما وصل الراوي هذا البيت قال : قاتلها الله تعالى ما رضيت بتشبيهه بالجبل حتى جعلت في رأسه ناراً". وقال مجاهد : الأعلام القصور وأحدها علم، وقال الخليل بن أحمد : كل شيء مرتفع عند العرب فهو علم.
فإن قيل : الصفة متى لم تكن خاصة بموصوفها امتنع حذف الموصوف فلا تقول : مررت بماش لأن المشي عام وتقول : مررت بمهندس وكاتب والجري ليس من الصفات الخاصة فما وجه ذلك ؟
أجيب : بأن قوله تعالى :﴿في البحر﴾ قرينة دالة على الموصوف، فذلك حذف ويجوز أن تكون هذه صفة غالبة كالأبطح والأبرق فوليت العوامل من دون موصوفها، وقرأ نافع وأبو عمرو بإثبات الياء وصلاً لا وقفاً، وابن كثير وهشام بإثباتها وقفاً بخلاف عن هشام الباقون بحذفها وقفاً ووصلاً وأمال الجواري محضة الدوري عن الكسائي وفتح الباقون.
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٦٤٥
أن يشأ﴾
أي : الله الذي حملكم فيها على ظهر الماء آية بينة سقط اعتبارها عندكم لشدة ألفكم لها ﴿يسكن الريح﴾ الذي يسيرها وأنتم مقرون بأن أمرها ليس إلا بيده، وقرأ نافع بألف بعد الياء جمعاً والباقون بغير ألف إفراداً ﴿فيظللن﴾ أي : فيتسبب عن ذلك أنهن يظللن أي : يقمن ليلاً كان أو نهاراً ﴿رواكد﴾ أي : ثوابت لا تجري ﴿على ظهره﴾ أي : البحر ﴿إن في ذلك﴾ أي : ما ذكر في حال السفن في سيرها وركوبها بما لا يقدر عليه إلا الله تعالى بدليل ما للناس كافة من الإجماع على التوجه في ذلك إليه خاصة والانخلاع مما سواه ﴿لآيات﴾ أي : على إحاطته سبحانه بجميع صفات الكمال ﴿لكل صبارٍ﴾ أي : على البلاء والشدة ﴿شكور﴾ أي : على نعمائه وهو المؤمن الكامل يصبر في الشدة ويشكر في الرخاء فإن الإيمان نصفان ؛ نصف : صبر، ونصف : شكر.
﴿أو﴾ أي : أو يشأ في كل وقت أراده ﴿يوبقهن﴾ أي : يهلكهن بعصف الريح بأهلهن ﴿بما كسبوا﴾ أي : أهلهن من الذنوب ﴿ويعفو﴾ أي : إن يشأ ﴿عن كثير﴾ من ذنوبهم فلا يعاقب فينجيهم بعوم أو حمل على خشبة أو غير ذلك، وإن يشأ يرسل الريح طيبة فينجيها ويبلغها أقصى المراد إلى غير ذلك من التقادير الداخلة تحت المشيئة وقوله تعالى :
﴿ويعلم﴾ قرأه نافع وابن عامر برفع الميم مستأنفاً والباقون بالنصب معطوف على تعليل مقدر أي : ليغرقهم لينتقم منهم وليعلم ﴿الذين يجادلون﴾ أي : عند النجاة بالعفو ﴿في آياتنا﴾ أي : يكذبون القرآن، أي : علم ظهور للناس ﴿ما لهم من محيص﴾ أي : مهرب من العذاب وجملة النفي سدت مسد مفعولي يعلم أو النفي معلق عن العمل.
٦٤٦
وقوله تعالى :
﴿فما أوتيتم﴾ خطاب للمؤمنين وغيرهم ﴿من شيء﴾ أي : من أثاث الدنيا ﴿فمتاع الحياة الدنيا﴾ أي : القريبة الدنية لا نفع فيه لأحد إلا مدة حياته وذلك جدير بالإعراض عنه وعما يسببه من الأعمال إلا ما يقرب إلى الله تعالى ﴿وما﴾ أي : والذي ﴿عند الله﴾ أي : الملك الأعظم المحيط بكل شيء قدرة وعلماً من نعم الدارين ﴿خير﴾ أي : في نفسه وأشد خيرية من النعم الدنيوية المحضة لانقطاع نفعه فسماه متاعاً تنبيها على قلته وحقارته، وجعله من متاع الدنيا تنبيهاً على انقراضه وأما الآخرة فهي خير ﴿وأبقى﴾ والباقي خير من الخسيس الفاني.
ثم بين تعالى أن هذه الخيرية إنما تحصل لمن كان موصوفاً بصفات الصفة الأولى قوله سبحانه وتعالى ﴿للذين آمنوا﴾ أي : أوجدوا هذه الحقيقة ﴿وعلى﴾ أي : والحال إنهم على ﴿ربهم﴾ أي : الذي لم يروا إحساناً قط إلا منه وحده بما رباهم من الإخلاص ﴿يتوكلون﴾ أي : يحملون جميع أمورهم عليه كما يحمل غيرهم متاعه على من يتوسم منه قوة على الحمل ولا يلتفتون في ذلك إلى شيء غيره أصلاً لينتفي عنهم بذلك الشرك الخفي كما انتفى بالإيمان الشرك الجلي وهذا يرد على من زعم أن الطاعة توجب الثواب لأنه يتوكل على عمل نفسه لا على الله تعالى فلا يدخل تحت الآية الصفة الثانية قوله عز وجل :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٦٤٥


الصفحة التالية
Icon