﴿ستكتب﴾ بكتابة من وكلناهم بهم من الحفظة الذين لا يعصوننا فنحن نقدرهم على جميع ما نأمرهم به ﴿شهادتهم﴾ أي : قولهم فيهم أنهم إناث الذي لا ينبغي أن يكون إلا بعد تمام المشاهدة فهو قول ركيك سخيف ضعيف كما أشار إليه التأنيث ﴿ويسألون﴾ عنها عند الرجوع إلينا، قال الكلبي ومقاتل :"لما قالوا هذا القول سألهم النبي ﷺ فقال :"ما يدريكم أنهم إناث ؟
قالوا : سمعنا من آبائنا ونحن نشهد أنهم لم يكذبوا فقال تعالى ﴿ستكتب شهادتهم ويسألون﴾ عنها في الآخرة هذا يدل على أن القول بغير دليل منكر وأن التقليد حرام يوجب الذم العظيم قال المحققون : هؤلاء الكفار كفروا في هذا القول من ثلاثة أوجه ؛ أولها : إثبات الولد ثانيها : أن ذلك الولد بنت ثالثها : الحكم على الملائكة بالأنوثة.
تنبيه : قال البقاعي : يجوز أن يكون في السين استعطاف التوبة قبل كتابة ما قالوا ولا علم لهم به فإنه قد روى أبو أمامة أن النبي ﷺ قال :"كاتب الحسنات على يمين الرجل وكاتب السيئات على يسار الرجل، وكاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات، فإذا عمل حسنة كتبها صاحب اليمين عشراً وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال : دعه سبع ساعات لعله يسبح الله أو يستغفر". ثم نبه سبحانه على أنهم عبدوهم مع ادعاء الأنوثة فيهم فقال تعالى معجباً منهم في ذلك وفي جعل قولهم حجة دالة على صحة مذهبهم وهو من أوهى الشبه :
﴿وقالوا﴾ أي : بعد عبادتهم لهم ونهيهم عن عبادة غير الله تعالى ﴿لو شاء الرحمن﴾ أي : الذي له عموم الرحمة ﴿ما عبدناهم﴾ أي : الملائكة فعبادتنا إياهم بمشيئته فهو راض بها ولولا أنه راض بها لعجل لنا العقوبة، فاستدلوا بنفي مشيئة عدم العبادة على الرضا بها وذلك باطل لأن المشيئة ترجيح بعض الممكنات على بعض، مأموراً كان أو منهياً حسناً كان أو غيره ولذلك جهلهم فقال تعالى :﴿ما لهم بذلك﴾ أي :
٦٦١
المقول من الرضا بعبادتها ﴿من علم إن﴾ أي :﴿هم إلا يخرصون﴾ أي : يكذبون في هذه النتيجة التي زعموا أنها دلتهم على رضا الله تعالى بكفرهم فيترتب عليهم العقاب.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٦٥٨
ولما بين تعالى بطلان قولهم بالعقل أتبعه بطلان قولهم بالنقل فقال تعالى :
﴿أم آتيناهم﴾ أي : على ما لنا من العظمة ﴿كتاباً﴾ أي : جامعاً لما يريدون اعتقاده من أقوالهم هذه ﴿من قبله﴾ أي : القرآن أخبرناهم فيه أنا جعلنا الملائكة إناثاً وأنا لا نشاء إلا ما هو حق نرضاه ونأمر به ﴿فهم به﴾ أي : فتسبب عن هذا الإتيان أنهم به وحده ﴿مستمسكون﴾ أي : موجدون الاستمساك به فيأخذون بما فيه، لم يقع ذلك.
ولما بين تعالى أنه لا دليل على صحة قولهم البتة لا من العقل ولا من النقل، بين أنه لا حامل لهم يحملهم عليه إلا التقليد بقوله تعالى :
﴿بل قالوا إنا وجدنا آباءنا﴾ أي : وهم أرجح منا عقولاً وأصح منا إفهاماً ﴿على أمة﴾ أي : طريقة عظيمة يحق لها أن تقصد وتؤم ثم أكدوا قطعاً الرجاء المخالف عن لفتهم عن ذلك فقالوا ﴿وإنا على آثارهم﴾ أي : خاصة لا غيرها ﴿مهتدون﴾ أي : متبعون فلم نأت بشيء من عند أنفسنا ولا غلطنا في الاتباع واقتفاء الآثار فلا اعتراض علينا بوجه هذا قولهم في الدين بل في أصوله التي من ضل في شيء منها هلك ولو ظهر لأحد منهم خلل في سعي أبيه الدنيوي الذي به يحصل الدينار والدرهم ما اقتدى به أصلاً وخالفه أيَّ مخالفة ما هذا إلا قصور نظر ومحض عناد ثم أخبر تعالى أن غيرهم قال هذه المقالة بقوله سبحانه :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٦٥٨
٦٦٢
﴿وكذلك﴾ أي : ومثل هذه المقالة المتناهية في البشاعة فعلت الأمم الماضية مع إخوانك الأنبياء عليهم السلام ثم فسر ذلك بقوله تعالى :﴿ما أرسلنا﴾ أي : مع ما لنا من العظمة ﴿من قبلك﴾ أي : في الأزمنة السالفة ﴿في قرية﴾ وأغرق في النفي بقوله تعالى :﴿من نذير﴾ وبين به أن موضع الكراهة والخلاف الإنذار على مخالفة الأهواء ﴿إلا قال مترفوها﴾ أي : أهل الترفه بالضم وهي النعمة والطعام الطيب والشيء الظريف يكون خاصاً بالمترف وذلك موجب لقلة الهم وللراحة والبطالة ﴿إنا وجدنا آباءنا﴾ أي : وهم أعرف منا بالأمور ﴿على أمة﴾ أي : أمر جامع يستحق أن يقصد ويؤم ثم أكدوا كما أكد هؤلاء فقالوا :﴿وإنا على آثارهم﴾ أي : لا على غيرها ﴿مقتدون﴾ أي : راكبون سنن طريقتهم لازمون لها ففي هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم